تسير الخطى في برامج التربية الخاصة -والحمد لله على كل حال- سيراً بطيئاً لا يكاد يذكر، ولعل من أكبر وأجل الشواهد على صدق عبارتي السباقة.. برامج الدمج التي من المفترض أن تكون وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارتنا الموقرة (الشؤون الاجتماعية) قد أقرتها وعملت لذلك دراسة مسحية لمراكز الرعاية النهارية التابعة للشؤون الاجتماعية ومعاهد التربية الفكرية التابعة للتربية والتعليم ومدارس خاصة لذوي الاحتياج الخاص (مصائب قوم عند قوم فوائد)، وهذا واقع حال معظم هذه المراكز.
أعود مجدداً لأقول.. كان من المفترض أن نصل من خلال دراسات وأبحاث إلى العدد الفعلي الذي يوجد في هذه المراكز، ونتساءل ما هي الخدمات المقدمة لهؤلاء الأطفال الذين نحن مسؤولون عنهم أمام الله عز وجل ثم أمام أسرهم ومجتمعهم وأمام أنفسنا؟ وماذا حققنا ونحقق لهم من خلال البرامج التي تقدم لهم؟
إن الواقع الحقيقي لهم يحكي عن حالهم، فهذه المراكز ليست مكاناً يتلقى فيه الطفل ذو الاحتياج الخاص تعليمه ويستقي أهدافه، ليس لأن هذه الأماكن غير صالحة لا وحاشا لله، فمن يعمل معهم -وهذا بفضل الله عز وجل- يتمتعون بروح وخلق وعمل دؤوب وصدق وإخلاص، وضغط وجهد لا يعلمه سوى الله عز وجل ومن رزقه الله العدل والإنصاف في قول الكلمة الحق.... ما يفتقر له هؤلاء الصغار هو دمجهم ووضعهم في مدراس أشبه ما تكون إلى البيئة الطبيعية، وقد نص القانون الأمريكي للتعليم بأن المدرسة حق للجميع ولم يستثن من ذلك أحداً، ونحن نكاد نقلد الغرب في كل صغير وكبير، ولن ينكر ذو بصيرة نظر بنفسه ووقف بعلمه على حالات الاحتياج الخاص في أمريكا مثلاً على مدى التقدم المهول الذي يحققه الطفل في بيئته المدرسية جنباً إلى جنب مع أقرانهم الأسوياء ومدى النتائج الإيجابية التي تظهر عليهم، فكلما تلقى الطفل تعليمه وأهدافه في بيئة طبيعية أو حتى شبه طبيعية (خدمات مساندة) في مدرسة عادية فهو مدعاة للآن يظهر تقدماً أفضل مما لو كان في مدرسة خاصة والتي لن يجني منها شيئاً. فالطفل بطبيعته يقلد وبالذات في أولى مراحل الحياة، فعندما نقوم بدمجه في مرحلة ما قبل المدرسة مع إخوته العاديين الذين لم يدركوا بعد مفهوم الاختلاف والفروق ويتساوون في تقديم الخدمات والانتقال عبر المراحل التعليمية، فسوف يكون لذلك عظيم الأثر على الطفل وسوف تتحسن النظرة التي ينظرها الأطفال الطبيعيون لإخوانهم ذوي الاحتياج الخاص من حيث اختلاف الفروقات الخلقية، كمثال كما أن الدمج يعزز لدى ذوي الاحتياج الخاص الدافعية للتكيف الاجتماعي والانخراط مع إخوانهم في اللعب والتعاون وتقلل من انعزالية الطفل ذي الاحتياج الخاص. والدمج أيضاً يحقق مفهوم (النمذجة) التي هي أساس تعليم الأطفال والتسلسل في المهمة.
ويظل للدمج العديد من الفوائد والإيجابيات التي تغطي جانباً صغيراً جداً من السلبيات التي لابد أن تظهر على أي نظام يطبق. ولولا السلبيات الحادثة لم نصل إلى الإيجابيات المرغوبة. كل ما أتمنى أن يعيه ذوو الاختصاص هو أن لا فائدة ترجى من عزل الطفل عن مجتمعه مهما كان احتياجه. فنحن نرغب في أن نرى مخرجات تعليمية صحيحة وسليمة قائمة على تحقيق أدق وأسمى الأهداف مع ذوي الاحتياج الخاص الذي يعلو سلمها وهو أول أهدافها (إن يتحقق الدمج) بمفهومه الشامل بالكلي - النصفي - أو العكسي.
كل ما نرجوه أن تسعى وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية بتحقيق ذلك في هذه المراكز التي تضم هؤلاء الصغار الذين لا ذنب لهم في عزلهم لوحدهم سوى أنهم ولدوا أو أصابهم اعتلال أبقاهم معتمدين بشكل كلي أو جزئي لخدمات تقدم لهم، ولكن هذه الخدمات لم تكن حكراً على مكان واحد بل نستطيع أن نحقق لهم كل ما يمكنهم الاستفادة منه في أقل البيئات تقييداً.
وللجميع خالص شكري وصادق دعواتي لمن يعمل مع هذه الفئة الحبيبة على قلوبنا بكل صدق وأمانة ومراقبة لله عز وجل.
وزارة الشؤون الاجتماعية الرياض