Al Jazirah NewsPaper Sunday  03/05/2009 G Issue 13366
الأحد 08 جمادى الأول 1430   العدد  13366
يعفون عن القصاص لوجه (الملايين) فيقتلون به قبيلة كاملة
د. علي الحماد

 

العفو عن القصاص في الأصل هو شيمة الأسخياء، وسجية الكرماء، وأدب الصالحين والأولياء، ودأب المؤمنين والأنبياء قال تعالى في آية القصاص (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) فقد سماه تعالى هنا أخاً على شدة الخصومة والتقاتل!

فلذوي القتيل أولياء الدم، وأولياء القاتل، وللمصلحين وقفات يجدر بهم أن لا تعزب عن أذهانهم وتبقى معهم على بال:

- أولاً : يجب علينا جميعاً أن نعظم حرمة الدم، وشناعة جرمها، وفظاعة أمرها كما قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) فسماه حراماً حتى لغير المسلم من الدمي وسواه.

وهي محرمة في جميع الأديان والشرائع، لكن هناك من الآباء والأجداد من ينشأون أبنائهم على قصص السابقين والغابرين وأنهم يفتكون بالناس سلباً وتقتيلاً ويصورنهم مثالاً يحتذى في الشجاعة والإقدم، فينشأ هذا الشاب متهوراً مندفعاً فعند أي خصومة يشهر السلاح!! كي يتحدث عنه أبناء عمومته أنه مثل فلان!!

- ثانياً: الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان ويعلم أين مكمن مصالحه وحياته كما قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ومع ذلك يقول تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ) فسمى سبحانه القصاص حياة!! لأنه يزجر المجتمع بأكمله عن التعدي على حرمات الناس.. وكما تقول القوانين الوضعية (القتل أنفى للقتل)، لكن الله أناط فهم هذا الحكم بأولى الألباب: أي أصحاب العقول المستنيرة الواعية المدركة فقال: (يا أولى الألباب) فقد خصهم دون سواهم من بادئ الرأي والسطحيين والدهاء، فهل يا ترى مصلحة القبيلة والمجتمع بالعفو أم في القصاص؟؟ وفي أنفسكم أفلا تبصرون.

- ثالثاً: هذا العفو مقابل الملايين التي تحاك خلف الكواليس أو جهاراً نهاراً في صورتها (عفو) وفي حقيقتها عفو عن القاتل وقتل للقبيلة بأكملها حيث تبقى قبليته رهينة ورقيقة لذل الديون التي تكهل ظهورها عقوداً من الزمن.

فما حصل لها من مكسب في إنقاذ رقبة القاتل (المجرم) يذوب ويذهب في إشغالها وإراقة ماء وجهها بذل الديون والمسألة والوجاهة لدى عِليةِ القوم!

- رابعاً: أن هذا الشاب إذا علم أن خلفه جماعة سيقومون بدفع الدية يكون دافعاً لتهوره وإقدامه على القتل والخصومة والشقاق!

- خامساً: أن في المغالات بقيمة الدم إمعان في العداوة وإبقاء للحقد الدفين تحت وميض الرماد للقبيلة الثانية ومخالفة للمقاصد الشريفة التي تنادي أن يكون العفو لوجه الله لا لوجه الملايين.

- سادساً: أننا إذا فتحنا هذا المجال تبدأ القبائل تتفاخر بأبنائها أننا فدينا ابننا بكذا وكذا مليون ...الخ.

سابعاً: نهيب بالمشايخ والمصلحين والتجار والوجهاء أن يُفعِّلوا توجيه ولي الأمر حفظه الله الذي يقضي بأن لا تتجاوز الدية (خمسمائة ألف) ظاهراً وباطناً!

ثامناً: أن في ترويح هذه المغالاة لدم القتيل إذكاء لداء العصبية الجاهلية الحمقاء التي بدأت تُطل بقرنها، وتجثم على جسد أمتنا بكلكلها.

تاسعاً: على وسائل الإعلام والخطباء وكل من له كلمة مسموعة أن يعظموا جرائم القتل ويصفوها بالأوصاف التي تليق بها من الشفاعة والتجريم كما قال تعالى في وصف النفس البشرية أن من قتلها (فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) ولعل في قتل القاتل وزجره وردعه ومن وراءه إحياء للناس جميعا.

- عاشراً: أن الفقهاء اتفقوا على أن مقدار دية الحر المسلم (مائة) من الإبل، وغيره من الأديان كل بحسبة وذلك مفصل في مضانه.

ونحن في الجزيرة بلاد الإسلام وكما قال صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم. (فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى). كما صح الخبر عن سيد البشر!

الحادي عشر: كل ما ذكرنا لا يمنع من البحث عن العفو والصلح لكن بحدود تقطع دابر القتال والمشاجرات فما عُرض على نبينا صلى الله عليه وسلم قصاص إلا سعى للعفو والمصالحة لكن مصلحة الأمة والجماعة مقدمة على مصلحة الفرد.

فأحكام الشريعة ليست قوالب جامدة بل هي صالحة لكل زمان ومكان، تسير مع مصلحة المسلمين حيثما حلت، وأين ما وجدت واقرأ قول ابن القيم -رحمه الله - باب ما جاء في تغير الفتوى بحسب الزمان والمكان والبيان والأحوال و...الخ.

الثاني عشر : أن من عفى عن دم القاتل لوجه الله أو حتى مع دية أو فدية يستلمها لن يسلم من كلام بعض الحمقى من جهال العامة اللذين سيقولون (أنت تتاجر بدم أخيك!! لكن إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما!!

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

الموجه الشرعي في القوات المسلحة محافظة رياض الخبراء



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد