لا يختلف العقلاء ولا المنصفون على الدور الكبير والبارز الذي قامت به لجنة المناصحة التي تعمل بإشراف مباشر من قِبل وزارة الداخلية على تصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة لدى كثيرٍ من الموقوفين أمنياً من جهة وكسر حاجز الحساسية بين وزارة الداخلية وأفراد المجتمع من جهة أخرى، وقد تبلور نجاح هذه اللجنة ولمسه الجميع بدليل أن هذه التجربة الفريدة لقيت إشادة من (مجلس الأمن الدولي) بل إن كثيراً من البلدان المتقدمة طلبت الاستفادة من هذه التجربة - مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وهولندا وتركيا والجزائر ومصر والأردن واليمن وسنغافورة وغيرها من البلدان الأخرى - التي تعتمد على مقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة بعد التأكد من أن الحل الأمني العسكري ليس الحل ولا الخيار الوحيد وإنما يجب البحث عن بدائل أخرى ومنها المواجهة الفكرية لها، في ظل توجيهات القيادة الحكيمة التي أكد عليها خادم الحرمين الشريفين ووزير الداخلية، مشدداً على أن الفكر لا يمكن مواجهته إلا بالفكر لتصحيح المفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن فهم حقيقة الدين والنصوص الشرعية لدى الموقوفين لإعادة تأهيلهم ولتسهيل دمجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم مثل المحرضين والمشوشين أو المؤوين واتباع الفكر الضال الذين يتم خضوعهم للمناصحة حتى يتم الإفراج عنهم بعد التأكد من سلامة فكرهم أما الإرهابيون الذين قاموا بعمليات إرهابية وتسببوا بقتل بعض الأبرياء فيقول القضاء فيهم كلمتهم بعد أن تعرضنا بسبب أفعالهم الطائشة إلى تجربة مريرة ومؤلمة استطعنا أن نخوض من خلالها حرباً ضارية مع الإرهاب نيابة عن العالم لنبين للمجتمع الدولي موقفنا الواضح والصريح من الإرهاب المنسوب زوراً وبهتاناً للدين الإسلامي ولعل حديث سمو الأمير نايف وهو يبين أهمية هذه التجربة والاستراتيجية المحكمة عندما ذكر سموه (ان القائمين على هذا البرنامج العلمي المتخصص لمسوا تأثيره الفاعل في توجهات بعض الموقوفين وإدراكهم لضلال ما كان قائماً لديهم من معتقدات ومخالفتها للمنهج الإسلامي الحنيف وقد لوحظ تحسن تصرفهم وتقبلهم للمشاركين في برنامج المناصحة وظهور دلالات تؤكد إحساسهم بخطيئتهم وإساءتهم إلى أنفسهم ودينهم ووطنهم ورغبتهم في العودة إلى جادة الصواب) وتتكون الاستراتيجية السعودية من ثلاثة برامج مترابطة تهدف إلى الوقاية وإعادة التأهيل وتوفير النقاهة بعد الإفراج عن المعتقلين، ومع انه لم يمض على تطبيقها سوى أربعة أعوام، فقد أسفرت الاستراتيجية السعودية ولا سيما برنامجي إعادة التأهيل ومكافحة التطرف عن نتائج إيجابية ومثيرة جداً، إذ لا تزال معدلات العودة إلى الإجرام وإعادة الاعتقال منخفضة إلى حد كبير إلى اليوم. هذه النجاحات تقودنا إلى محاولة تطوير هذه الاستراتيجية وإضافة بعض العناصر لتكتمل وتحقق الهدف المنشود كالتالي:
الأمر الأول: بعد اكتساب فريق لجنة المناصحة، خبرة ثرية في نهج المتشددين وأفكارهم والشبهات التي يدورون حولها، لماذا لا تستغل هذه الخبرة وهذه التجارب من قِبل أعضاء لجنة المناصحة في الخروج إلى الشباب في مختلف الأماكن العامة لتوسيع دائرة عمل لجنة المناصحة خارج نطاق السجون لتحصين ورعاية الشباب في الأماكن العامة، والأوساط الاجتماعية سواء في المدارس أو من خلال الصحف وأماكن تجمعاتهم في الاستراحات من خلال إيجاد خطة عمل لبرنامج متكامل، بعد أن أثبتت جميع الدراسات والأبحاث أن التحصين أفضل من العلاج وأن الوقاية هي الأصل والمكافحة هي الفرع فضلاً عن أن العمل الوقائي أقل تكلفة وأكثر فاعلية كما قيل (درهم وقاية خير من قنطار علاج).
الأمر الثاني: ضرورة إحلال العنصر النسائي في لجنة المناصحة للدور الكبير الذي من الممكن أن تقوم به المرأة بعد اطلاع لجنة المناصحة على حقيقة تبني عددٍ من النساء لهذا الفكر، وبالأخص من ذوي أقارب المعتقلين والمطلوبين وقد ظهر اعتناق بعض النساء للفكر المتشدد من خلال مؤشرات عدة عبر ما يرددن من مطالب ما بين الأوساط النسائية، كالنصح بعدم الصلاة خلف بعض أئمة المساجد، وتكفيرهن لعلماء الدين وشخصيات مختلفة، إلى جانب مطالبتهن بعدم الذهاب إلى المدارس بل الأدهى والأمر أن يكون هناك معلمات ومشرفات تربويات يحملن الفكر نفسه، إذاً فالأمر خطير ولا بد من تصدٍ حاسم والعمل على إيجاد حلول جذرية، فالأم مدرسة كما قيل إذا استثمر دورها كان لجيل المستقبل حصانة فكرية وخلقية، لذا ينبغي من لجنة المناصحة والقائمين عليها العمل على تدريب وتأهيل نساء مختصات في العلوم الشرعية لتفعيل مساعيها المتعلقة بزيارة النساء في منازلهن، وذلك عبر برامج تأهيلية مكثفة عند ذلك نستطيع تحقيق أكثر من هدف أولاً: إصلاح من انحراف، ثانياً: انتشال من هو مؤهل لذلك، ثالثاً: تحصين أفراد المجتمع الباقين ووقايتهم من خلال سياج فكري قوي نجني ثماره إن شاء الله بخروج جيل مسلم لديه من الحصانة والمناعة والحجة ما يمنعه من الوقوع في الانحراف الفكري المؤدي إلى الإرهاب، جيل يساهم في البناء والتنمية التي تعيشها بلادنا الغالية.
(*) باحث وأكاديمي متخصص في مجال الأمن الفكري ومكافحة الإرهاب
Hdla_m@hotmail.com