Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/01/2010 G Issue 13620
الثلاثاء 26 محرم 1431   العدد  13620
 
سَيُهْزَمُ الجمع وَيولون الدُّبر ..!
د. حسن بن فهد الهويمل

 

أخطر قرار في الحيوات السياسية قرار (الحرب)، لأنها أم المصائب وزارعة الضغائن والأحقاد ومتعهدة العدادات، لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وأي زعيم تستوي عنده أهمية القرارات وخطورتها لا يكون حاملاً للأمانة على وجهها.

والزعيم الذي يفاجأ بقرار الحرب من طرف غير سوي وغير مقدر للعواقب الوخيمة يكون أمام جهاد الدفع الذي لا خيار فيه، ولا مناص منه، إذ معه يتعين جهاد الدفع، ويتأكد النفور، ومن أكره على خوض لجج الحرب يكون في حل مما تخلفه من قتل وتدمير، وإثم ذلك كله على الذين يشعلون الفتن: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.

وإذ يكون الدخول في السلم كافة مقدماً على جهاد الطلب فإن خيار الحرب صعب ومفضول، وكيف لا يكون الأصعب، وكل مقدرات الأمة وإنسانها وقود لها، وكل شيء يتجه صوب الجبهة، بحيث تعلن حالة الطوارئ وتعطل كل المشاريع التنموية، والذين يُسْتشهدون أو يقتلون يتْركون وراءهم من الأرامل والأيتام شواهد إثبات لفظاعة المغامرة.

ومشرقنا العربي لما يزل ساحة قتال، ومجال كرٍّ وفر وقَدَرُه أن يظل متجرعاً مرارات حروب مجانية لا مبرر لها. ومع ما تتركه تلك الحروب الطائشة من خسائر في الأرواح والممتلكات وما تخلفه من أزمات في سائر وجوه الحياة، وما تشيعه من خوف وجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات فإن اتخاذ قرارها عند المغامرين من أهون القرارات.

والدول التي وضعت أقدامها في أتون الحروب طائعة مختارة ما زالت مرتهنة لجرائرها:

(وما الحرب إلا ما علمتم وذقتموا) ولا سيما إذا فوتت على نفسها خيار السلم الممكن، ولسنا بحاجة إلى استعراض النتائج المدمرة، والآثار السيئة على سائر القيم والمثمنات فهي من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى دليل، والمنتصر فيها يُعدُّ خاسراً فكيف بالمنهزم، ومن ذا الذي لا يعرف آثار المغامرات الطائشة على أمتنا العربية منذ الثورة الأولى عام 1949م على يد (حسني الزعيم).

والحروب الحدودية والأهلية والطائفية والقبلية والإقليمية والحزبية، وما شئت من التسميات لا يخبو أوارها إلا لكي تستعد لاشتعال أوسع وخسارة أفدح.

وجيلنا التعس عاش المد الثوري والانقلابات الحمراء والبيضاء وأتخم بالرغاء الإعلامي الموتور، وهو لم يقرأ التاريخ الحديث ولكنه كتبه بمداد من دمه وعرقه، خُطِف الرغيف من الأفواه الجائعة ليكون ثمناً لرصاصة طائشة تمزق الأحشاء وانْتزعت الأسمال البالية من ظهور المعوزين لتكون ثمناً لعبوة ناسفة تزرع في المباني المأهولة بالأبرياء، وغُسلت الأدمغة الشابة الوديعة لتكون وحوشاً ضارية تلف أجسادها الغضة بالأحزمة الناسفة. وصُنَّاع اللعب القذرة يأوون إلى جبال من المكر والخديعة ظناً منهم أنها تعصمهم من اللهب، وما هم في النهاية بخارجين من تبعاتها العاجلة أو الآجلة ?وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا?، ?إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ? وإن كانت الشعوب الغائبة أو المغيبة هي التي تدفع عاجل الثمن الباهظ التكاليف، والرجل الرشيد كالقصير الذي لا يطاع له أمر، وإن حاول جاهداً أن يواجه الواقع بكل بشاعته، ويضع صناع القرارات الخطيرة أمام مسؤولياتهم فالسيل قد بلغ الزبى والانهيارات الأخلاقية والاقتصادية والأمنية شارفت الذرى، والعالم كله تحت طائلة فتن عمياء لا تصيبن الذين ظلموا خاصة، ولم يبق مجال للتفاؤل فالدول المتقدمة والنامية في سباق محموم لتصعيد الأزمات، وكل طرف يدعي الحق ويراهن على النصر، وقنوات الضرار تؤز الفرقاء أزَّاً، وما علمت ومن ورائها أن الجميع مستهمون على السفينة، وأن ما يمارسونه خرقٌ متعمدٌ سيأتي على الأبرياء والضالعين في الإثم على حد سواء.

والمملكة التي واكبت المد الثوري وأصابها دخن الفتن تود لو أن بينها وبين المغامرات الطائشة أمداً بعيداً، وأنى لها ذلك، وهي جزء من هذا المشرق الملتهب، ولو تركت وشأنها لكانت في مصاف الدول المتقدمة لأنها بلد الثراء والاستقرار السياسي والمقدسات والاستقامة على ما أمرت به، لقد دفعت ثمناً باهظاً في حروب الخليج كلها، وهي قد دفعت مثل ذلك في حروب الاستقلال العربي والمقاومة العربية، ولما تزل في لهاث وراء المحافل الدولية تواسي وتأسو أو تتوجع، ولم يكن في حسابها أن تكون طرفاً في حرب أهلية مشتعلة في بلد مُشرَّع الأبواب لكل الخطابات وقابل لكل الاحتمالات لأنه يرقص على فوهة بركان حِمَمه الصراع القبلي والطائفي والإقليمي وأجواؤه موبوءة بالمتسللين والمروجين للأسلحة والمخدرات، ويكفي استعراض العمليات الأمنية على حدودنا معه منذ أمد بعيد، حتى لقد هم سلاح الحدود إقامة جدار عازل يحقن الدماء ويحول دون تدفق المهربين والمتسللين.

والتسلل الحوثي المنظم الذي راح ضحيته أكثر من سبعين شهيداً وأكثر من عشرين مفقوداً وأكثر من أربعمائة جريح - كما جاء في تصريح مساعد وزير الدفاع - مؤشر خطير لا يكن تجاوزه كعارض طبيعي، إن وراء الأكمة ما وراءها، والدول الشقيقة والصديقة لم تزد على التأييد المطلق لكافة الإجراءات الدفاعية التي اتخذتها المملكة وكان عليها أن تمتلك الشجاعة لتضع النقاط على الحروف وتمسك بالأصابع الخفية التي تحرك الدمى لشغل المملكة عن مهماتها العربية والإسلامية وجر قدمِها لحِرب عصابات ومرتزقة، وإذ يكون الوضع جد خطير فإن الاكتفاء بكلمات المجاملة لن يحقن الدماء ولن يطفئ لظى الحرب المجانية وغير المسؤولة والتي قد تحول اليمن من بلد موحد إلى أشلاء مبعثرة تحتضن الإرهاب وتصدر الفتن.

إن على الأمة العربية عبر جامعتها أن تدرك اليمن بتدخل فوري يطفئ الحرائق المندلعة ويفك الاشتباكات المستعرة ويصلح ذات البين ويقاتل الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، ولقد حَذَّرتُ من قبل في مقال بعنوان (أدركوا اليمن قبل أن يدرككم من الجبهات الثلاث التي يواجهها اليمن بإمكانياته المتواضعة وهي جبهات مدعومة من الخارج وحبذت نقل الأطراف المتنازعة من ساحات القتال إلى موائد المفاوضات. وها هي مشاكله تمتد إلى خارج حدوده والمملكة بإمكانياتها الذاتية وإرادتها الحرة ومشروعية قراراتها قادرة على حسم الموقف، ولكنها ستدفع ثمن ما كنا نود التخلي عنه وثقتنا بعدالة حقنا تؤكد أنه (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد