Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/04/2010 G Issue 13715
السبت 03 جمادى الأول 1431   العدد  13715
 
امتلاك منزل.. بين الحقيقة والخيال
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

تشهد هذه الأيام أسعار الأراضي والمنازل قفزة سعرية تكاد تكون الأعلى في تاريخها؛ فقد بلغت نسبة الارتفاع في معظمها 100% وفي بعضها 150% بخلاف الارتفاع الحاصل في إيجارات المساكن سواءً شققاً سكنية أو فيلات جاهزة.

وقد طالب العديد بإيجاد آلية معينة لتحديد أسعار العقارات بعد مرورها بتقييم عادل بغية الحد من امتداد جشع البعض في الكسب السهل السريع، وطالب آخرون بضرورة تدخل الدولة في إيجاد قوانين تلزم ملاَّك الأراضي البيضاء لدفع ضرائب عليها إذا ما كانت بحوزتهم بغية حثهم أو دفعهم لسرعة بيعها. فيما طالب فريق ثالث بضرورة إلزام ملاَّك تلك الأراضي بتسوير أراضيهم تلك في محاولة لوضع عوائق أمامهم استمرار تملكهم لتلك الأراضي البيضاء وحرمان الشباب من الحصول على أرض بسعر مناسب لمداخيلهم.وبرغم تقديري لجميع الاقتراحات المنادية بالضغط على ملاَّك الأراضي البيضاء بغية دفعهم لبيعها وعدم استمرار تملكهم إياها إلا أن جميع المقترحات لن تؤدي سوى لزيادة قيمة الأراضي وبالتالي اتساع المشكلة وتفاقهما، حيث إن ملاَّك تلك الأراضي قد حباهم الله بثروات مالية كبيرة لن يعيقهم إطلاقاً دفع قيمة تسوير تلك الأراضي ومن ثمّ إضافة قيمة ما تم دفعه على القيمة الأصلية للأرض، كما لن يؤثّر عليهم دفع ضريبة استمرار تملكهم للأرض لمعرفتهم بأن ما يدفعونه اليوم من ضرائب سيتم تحصيله من المشتري من خلال رفع قيمة الأرض، أما القول بضرورة تدخل الدولة لإيجاد آلية لتحديد قيمة الأرض ففهمي القاصر يستبعد إمكانية ذلك لعدد من الأسباب يأتي على رأسها طبيعة الموضوع وهو ملكية فرد وليس منظومة لمادة ليست استهلاكية.

وتستمر أعزائي معاناة الشباب في تحقيق حلمهم بتملك منزل خصوصاً في ظل الارتفاع الحاصل في أسعار المواد الاستهلاكية دون استثناء مع استمرار مستوى المداخيل على ما هو عليه.كنت أعتقد أن الحل يتمثّل في ما تم إقراره مؤخراً من تطوير مخططات المنح لمساعدة الممنوحين على البدء ببناء منازلهم بعد توفير البنية التحتية اللازمة للأراضي في تلك المخططات، إلا أن معظم ملاّك تلك المنح قد باع أرضه، غما لأنه لم يكن يحتاجها أساساً أو لتأمين سيولة مادية له لاستكمال مشروع آخر أو لأي سبب مختلف. وبذلك تجمعت تلك الأراضي بحوزة تجار عقار سماسرة قاموا ببيع تلك الأراضي مرات عديدة والمضاربة بها كما حدث في سوق الأسهم حتى أصبحت أسعار بعض أراضي المنح ليست في متناول الشباب، فقد بلغ سعر بعض أراضي المنح في مخططات تبعد أكثر من خمسين كيلو متراً عن أقرب حي للرياض في حدود ثلاثمائة ألف ريال استبعد أن يملك كثير من الشباب ممن عملوا لمدة عشر سنوات مثل هذا المبلغ.

الأراضي التي تقوم الدولة بمنحها للمواطنين يفترض كما يبدو لي أنها صالحة للبناء والاستخدام الفوري أي أن تكون في مخططات مكتملة الخدمات حتى يتسنى للممنوح القيام فوراً ببنائها إذا علمنا أن الفترة التي يقضيها في انتظار تلك المنحة قد يصل إلى سنوات، كما أفترض أن من يطلب منحة أرض يكون بحاجتها لبناء مسكن له ولعائلته وهو غير القادر على شرائها بسبب عدم قدرته المالية وإلا لانتفى مضمون مفهوم المنحة. ولكن ما يحدث هو أن جُل الأراضي الممنوحة يتم بيعها وتنصب عليها لوحات إعلانية بغرض البيع أو يتم عرضها لدى مكاتب العقار وسماسرة الأراضي، وقد يحدث أن يتم بيع وشراء الأرض الواحدة لأكثر من مرة في اليوم الواحد، وقد حدثني أحدهم أن الأرض ربما يتم تداولها أربع أو خمس مرات في اليوم الواحد بحيث يبيعها الممنوح لأحد أولئك السماسرة الذي يقوم وخلال دقائق بإعادة بيعها لشخص آخر بمكسب بسيط ثم يقوم المشتري ببيعها لشخص ثالث مع حفظ حقه في الكسب وهكذا يستمر ارتفاع سعرها لحدود غير معقولة تضاهي تلك المطلة على التايمز أو بحيرة جنيف وهي التي لم تعرف طرقاتها التعبيد بعد، وتكبر حسرة المحتاج لها الذي لا يملك طريقة للحصول على مثيلتها كمنحة.

لا بد أن يعاد النظر في الأمر برمته، لا بد أن تقوم الدولة بوضع معايير معينة لمنح الأراضي بعيداً عن المحسوبية والمعرفة والواسطة، لا بد أن تقوم الدولة بمنح من يستحق فقط لا كل من تقدم بطلب منحه، لا بد أن أردنا أن يستفيد المستحق فقط من هذه الميزة أن يكون هناك عدد من المعايير التي تكفل مساعدة المحتاج وتحقيق الهدف من توجه الدولة لمنح المواطن قطعة أرض للبناء عليها، لا بد أن يتم تقنين العملية ووضع ضوابط لذلك بحيث لا يستطيع كل من تم منحه أرض بيعها بالسهولة الحاصلة الآن.

إذا أردنا حقيقةً أن تصل الأرض الممنوحة لمستحقها فيجب أن يعاد النظر في مجمل الموضوع والعمل على إيجاد آليات ضابطة حتى يستفيد من هم بحاجة من أرامل ومتقاعدين، حتى يتم تحقيق حد أدنى من الرفاهية المنشودة لا أن نزيد الغلة في جيوب الأغنياء، وحتى لا يتكرر مشهد صندوق التنمية العقاري الذي لا يفرّق بين فقير وغني وهو الذي تم أنشاؤه لمساعدة الفقراء وغير القادرين على بناء مساكنهم وانتهى به الأمر إلى حق من حقوق المواطن بغض النظر عن كونه محتاجاً أو غير محتاج حتى إن كثيراً ممن حباهم الله ثروات طائلة أصبحوا من كبار المستفيدين منه.

أوَليس ذلك ضرورياً؟ أوليس تقنين العملية بهدف مساعدة المحتاج ضرورياً؟ إن لم يكن كذلك فليتقدم أحد ويفيدني مشكوراً لماذا تمنح الدولة أرضاً على شارع تجاري وبمساحة كبيره لطالب أرض سكنية يفترض أنه يحتاجها لبناء مسكن عليها؟ الحل في رأيي هو في إعادة النظر في توزيع المنح من الأراضي على المواطنين، يتم توزيعها أو منحها لمستحقيها فقط، يمنع من يمنح قطعة أرض من بيعها لمدة لا تقل عن عشرين عاماً وإن أراد بيعها لا بد أن يتم مثلاً فرض نصف قيمة الأرض كرسم بيع يدفعه البائع لخزينة الدولة التي ربما تقوم بدورها بصرفه على تأمين خدمات أساسية وتطويرية لمخططات تكون جاهزة ليتم منحها للمستحقين. آلية المنح يجب أن تأخذ بالحسبان عدم قدرة الكثيرين من التقدم بطلب منحه قطعة أرض.

إن تم تطبيق ما تقدم، فلن ينفع التاجر احتفاظه بأرضه الكبيرة الفضاء لمدة طويلة بغية بيعها بأضعاف القيمة التي اشتراها بها، فهناك من المخططات التابعة للدولة ما يكفي لمنح قطع سكنية فيه لكثير من المحتاجين، وحسبي أن ذلك سيؤثّر إيجاباً في أسعار باقي الأراضي التي لا يزال ملاكها محتفظين بها. إلى لقاء قادم إن كتب الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد