Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/04/2010 G Issue 13715
السبت 03 جمادى الأول 1431   العدد  13715
 
بين الكلمات
الدكتاتور
عبد العزيز السماري

 

يختلف السلوك الإنساني بين الناس باختلاف عوامل كثيرة من أهمها البيئة والتقاليد والموروث الحضاري والإنساني سواء من خلال المجتمع أو عبر الموروث الجيني، وقد تصل تلك الاختلافات إلى داخل محيط العائلة الصغيرة، لكنها في مجمل القول تظل تلك الفروقات والعلامات سمة من سمات أي مجتمع مهما تباعد المكان والزمان.. فالشخصية الإنسانية على سبيل المثال قد تتطوع من أجل خدمة الناس ومساندتهم بلا مقابل، في حين يبحث آخرون عن السلطة من خلال نفوذ المال، وتأتي لآخرين طبيعياً نتيجة لإرث القيادة التاريخية والمنجزات العظيمة، بينما يظل الكثير في دوائر أخرى أصغر، لكنها إجمالاً تبقى في حالة ما بين نزوة السلطة ونبل التطوع الإنساني، وعادة ما يكون الإنسان في طبيعته البشرية في منزلة وسط ما بين رغبة النفوذ وفضيلة خدمة الناس، ويكون العقل بمثابة الفيصل في إحكام التوازن بينهما.. يبرز وجه الخطر في أبشع صوره عندما يتوحد سلوك الإنسان في رغبة واحدة، وهي في أن يصل إلى درجة إحكام السيطرة كلياً على الآخرين، وتبدو الفضيلة في أوج عطائها ومثاليتها عندما تنصهر شخصية الإنسان في خدمة المجتمع والناس تطوعاً، أي أنها المفارقة بين شخصية الدكتاتور وشخصية المتطوع، والدكتاتور مصطلح مستورد وله معان أكثر سلباً من مصطلح الاستبداد في التاريخ العربي..

فالدكتاتور هو تلك الشخصية التي تملي قراراتها على الآخرين، والإملاء الشفوي هو أفضل طريقة لعدم ترك آثار أو بصمات على عواقب تلك القرارات، لكنه في نفس الوقت يضع الآخرين معه في موضع الاتهام عندما يستجيبون مضطرين إلى تنفيذ أوامره من خلال آلية الإملاء، وبالتالي يصل إلى مآربه بلا أثر أو بصمات، فالخوف من الآخرين هو أحد الدوافع التي تجعله يحكم سيطرته بعنف، بينما المستبد في التاريخ العربي هو ذلك الإمام أو الخليفة الذي يرى أنه على حق، وبالتالي يفرض ذلك الحق من خلال آلية الاستبداد.. الدكتاتور يملك شخصية منطوية تبحث عن التفرد بالقرار وإخضاع الجميع لسلطته من أجل إخفاء ضعفه وتناقضه أيضاً، فهو يعمل من خلال رغبة وحشية متفردة في تصفية أولئك الذين يعتقد أنهم يخالفونه في الرأي، وذلك من أجل إحكام لغة الصمت على الجميع، لتظل كلمته هي الأوحد والمسيطرة على كل الأجواء والأحوال، ليفرض بعدها احتقاره لمن حوله من خلال مسرحية هزيلة من أهم فصولها السخرية، فتجده أحياناً يُظهر استهزاءه بتصرفاتهم وأذواقهم وملابسهم وألفاظهم، ليطمس شخصياتهم ويجعلهم أمثال أشباح لا صوت لهم ولا رأي، ليصلوا بعد ذلك إلى حالة لا يجرؤ أي منهم على الحديث مع أقرب الناس إليه، وذلك خوفاً من بطش وغضب الدكتاتور..

الدكتاتور شخصية ضعيفة من الداخل، لكنها تغطي ذلك الضعف من خلال إظهار علامات الغضب وارتفاع الصوت واحمرار الوجه وتقطيب الحاجبين، وعادة ما تتم صناعته من خلال أهواء الانتقام وعواطف تصفية المنافسين عند أناس ضد آخرين، لكنه أي الدكتاتور مع مرور الوقت يسيطر عليهم، ويبعدهم ليقتل أجواء الإبداع فيهم، وينهار كل شيء حواليه، ويظل وحيداً ومتفرداً بأبلغ الأقوال وأعظم الأفعال.. لا يعترف عادة الدكتاتور بقدرات أعوانه وآرائهم، لذلك هو لا يأخذ بمشورتهم، ويستولي على جميع مهامهم، ويحاول قدر الإمكان إيقاعهم في إصدار القرارات المخالفة، وذلك من أجل وضعهم في حالة دفاع مستميتة عنه، وتأتي خطورة مثل هذه الذهنية في قدراتها التدميرية وفي طمسها لمعالم شخصياتهم، وسلب قدراتهم في التمييز فيما بين الخطأ والصواب، وما بين الخير والشر، فالخير هو الدكتاتور والشر هو الآخرون الذين خارج دائرة طوعه..تختلف شخصية الدكتاتور عن الشخصية الحازمة، والسبب أن الأول يحكم من خلال الإملاء الشفوي ويرفض أن يحكمه قانون أو نظام ما، بينما يؤسس الآخر لثقافة الالتزام بالأنظمة والقانون، وذلك من أجل نشر أساليب الالتزام في العمل من أجل رفع الإنتاجية وبالتالي الوصول إلى النجاح من خلال العمل المؤسسي.. كثيراً ما يتم الربط بين الشخصية الدكتاتورية وبين السياسة، وذلك غير صحيح بإطلاق، فالشخصية المريضة بداء إملاء الأهواء والرغبات على الآخرين قهراً قد تكون رب الأسرة أو مدير المؤسسة أو الوزير أو أي شخصية تظهر عليها تلك الأعراض السلطوية، لذلك احذروه، فقد يكون الدكتاتور أقرب الناس إليك، وإذا وجدتموه متجاوزاً حدوده الطبيعية تجاهكم، احموا أنفسكم منه بسلطة القانون.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد