Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/04/2010 G Issue 13715
السبت 03 جمادى الأول 1431   العدد  13715
 
حقوق الإنسان.. بين صيحات التهميش!
د. سعد بن عبدالقادر القويعي

 

جاءت الشريعة الإسلامية برعاية مصالح العباد في الدارين؛ فقررت الأحكام التي تضمن حفظ مقاصدها في الخلق، في النفس والدين والمال والعِرض والعقل. فحياة الناس لا تستقيم وأمورهم لا تنتظم إلا بحفظ هذه الضرورات.

كما جاءت الشريعة الإسلامية بتكريم جنس الإنسان، بنص آية سورة الإسراء: «ولقد كرمنا بني آدم..»؛ فجعله في الأرض خليفة، ومنحه العقل والإرادة وعلَّمه البيان، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وبعث له الرسل، وأنزل له الكتب.

بل إنَّ خطبة الوداع للنبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مؤكدة لجميع حقوق الإنسان وسعادة البشرية؛ فأعلن خطورة الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض؛ فكان يوم عرفة هو يوم الإعلان عن حقوق الإنسان، وكان مما قال: «إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا». وحقوق الإنسان في الإسلام هي: تلك المعاني التي كفلها الإسلام بنص القرآن وسُنّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ فهي نعمة مستمدة من رب العالمين، وحقوق ثابتة بالنص يجريها ولي الأمر بما يتفق مع الزمان والمكان. كما أن الشرائع الإسلامية جاءت بتلك الحقوق، ونادت بها الفطر السليمة، ودعت إليها العقول السليمة؛ فأوجبت على الإنسان حقوقا لربه، وحقوقا لنفسه، وحقوقا لأبناء جنسه، وحقوقا لمكونات المكان من حوله.

إنَّ الاهتمام بحقوق الإنسان في إطاره الشامل يهدف إلى حمايته من الاستغلال والاضطهاد، ويهدف إلى تأكيد حريته، وحقوقه في الحياة الكريمة التي تتفق مع مبادئ الشريعة. ولئن كانت حقوق الإنسان مطروحة ومتداولة فإن حقوق الإنسان في الإسلام تمثل تجسيدا قويا للمعايير والقيم المشتركة؛ فشملت المسلمين وغير المسلمين في داخل دولة الإسلام وخارجها، كما شملت حقوق الرجال والنساء والأطفال. فوضع الإسلام نظاما رائعا لحقوق الإنسان يكفل الكرامة لجميع البشر, ويقضي على مظاهر التمييز والظلم والاستغلال.

وجاء الإسلام بما فيه الكمال لصالح العباد في الدارين، بل إنَّ المادة الأولى في ميثاق حقوق الإنسان، التي تنص على أن: «جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوون في الكرامة والحقوق»، ما هي إلا ترجمة لقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما قال: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟». وقد صدر النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية بمقتضى الأمر السامي الموسوم بالرقم: أ ر 90 في 27 - 8 - 1412 هـ، يوضح شكل الدولة، ويحدد سلطاتها، ويبين الحقوق والواجبات لمواطنيها، والمعوقات الاجتماعية، والمبادئ الاقتصادية التي يسير عليها المجتمع والدولة. أما هيئة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية فقد تأسست بالقرار السامي رقم 207 في 8 - 8 - 1426 هـ، وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، وتهدف إلى حماية حقوق الإنسان، وتعزيرها وفقا لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات، والإسهام في نظام تطبيق ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية؛ فكانت نموذجا للخصوصية الإسلامية في التزام العقيدة وتطبيق الشريعة.

من جانب آخر فإن مما يؤسف له أن حقوق الإنسان أصبحت خرافة في ظل الأجواء التي يعيشها العالم اليوم، من صراع المذاهب الغربية وسيادة الدول والصراع الدولي بين حقوق الإنسان. وما نراه من تناقض فاضح بين الاعتراف بهذه الحقوق على المستوى النظري، وتعرضها للخرق والانتهاك على المستوى العملي. فالصمت الدولي الرهيب إزاء العمليات العسكرية في قطاع غزة هو خرق واضح وفاضح لمبادئ حقوق الإنسان. والصمت الدولي الرهيب لما يتعرض له العراق وأفغانستان من احتلال وتدمير وتفكيك هو خرق واضح وفاضح لمبادئ حقوق الإنسان. كما أن اعتقال آلاف الأبرياء، والزج بهم في معتقلات ظلامية، في كوبا والعراق وأفغانستان، دون توجيه اتهامات لهم، واستخدام جميع أنواع التعذيب، منها: الاغتصاب، واستخدام الكلاب، والضرب بالكهرباء، والقتل خلال الاستجواب، هو خرق واضح وفاضح لمبادئ حقوق الإنسان.

إن جاز لي أن أختم بشيء فهي الإشارة إلى أن الإسلام هو من أقر المبادئ الخاصة لحقوق الإنسان في أكمل صورة منذ بداية سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين. مع تأكيد أن الخصوصية الكبرى لمفهوم حقوق الإنسان تتمثل في الشمولية والعالمية، ومن أهمها: حق الإنسان في الحرية والمساواة، التي تعد مدخلا لإقامة المجتمعات الصالحة، وتحقيق الإنجازات الرائعة على مستوى النخبة الأساسي، والإسهام في خدمة القضايا الإنسانية، وهو الهدف الأساسي لإحقاق حقوقه، وتحرير إرادته من أي هيمنة جائرة.





drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد