Thursday  13/01/2011/2011 Issue 13986

الخميس 09 صفر 1432  العدد  13986

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي يتحدث عن علاقته بعزيز ضياء والمواقف التي جمعتهما، ورأيه فيه أثناء حواره مع الدكتور سليمان الهتلان في برنامج على قناة الحرة. وذكر الدكتور الغذامي أكثر من موقف للأستاذ عزيز ضياء من بينها، أنه وأثناء أحد لقاءات النادي الأدبي حينما

كان يترأسه الدكتور الغذامي طلب الأستاذ عزيز الكلمة - وهو أحد الحاضرين لذلك اللقاء - وقال إن عمره تجاوز الخامسة والثمانين، وأن ما سيقوله من رأي أياً كان لن يضيره بشيء فقد بلغ هذه السن، وإن أحد قطع رأسه فعمره قد أوشك قبلها على الانتهاء، وإن زُج به في السجن فلن ينقصه ذلك شيء باعتبار أيضاً كِبر عمره، وإنه استحالة أن يُقطع عيشه باعتباره لا يعمل بينما الآخرون من الحضور أو المتحدثين لا يزالون صغاراً قياساً بعمره، وأن ما سيقولونه ربما آذاهم أكثر من أن يفيدهم، فما سيقوله هو يُعتبر حكمة - والحال كهذه - وما سيقولونه هم يعتبر حماقة.

نغفل كثيراً عن الجلوس والسماع لخبرات وتجارب الآخرين ونعتقد أن ما نقرأه من كتب أو مدونات أو صحف كفيل ربما بزيادة رصيدنا الثقافي وهذا خطأ يجب أن نتفاداه، فالثقافة المستقاة من الكتب وحدها لا تكفي لأن تُثري تجربة الإنسان سواءً كان كاتباً أو صحفياً أو أديباً أو غير ذلك، فالاستماع لتجارب الآخرين وخبراتهم ورصيدهم من المواقف يحكي أكثر من الكتب التي يتم تزيينها بالمفردات اللغوية وبالجمل المركبة التي تتناسب والموقف ولا تأتي بطبيعتها كما تأتي الخبرات التي يحكي عنها صاحبها بشكل مباشر وفي مواقف معينة، تلك هي التجربة التي تُثري الجانب المعرفي والثقافي لدى الإنسان مهما كان عمله وكان نشاطه بل إنها تُثري ثقافة الرجل العادي الذي لا نشاط أدبي له.

تذكرت حديث الدكتور الغذامي عن الأستاذ عزيز ضياء وأنا أطالع بعض المقالات التي كتبها أصحابها دون وعي منهم لما قد تؤول إليه حالهم، وتعجبت حقيقةً للسبب الذي يدفع ليس الكاتب المحترف فحسب وإنما أي شخص عادي آخر لكتابة مقال أو خاطره يحكي من خلالها رأياً له في السلطة أو ينتقد منظومة من الإجراءات بطريقة لا يُراد منها الإصلاح بل النقد للنقد فقط وما يتبع ذلك من تأليب للرأي العام وإثارة حماسة الناس ضد شخصيات معينة أو نظام معين بشكل غير احترافي، الأمر الذي يجعل من كتب تلك الخاطرة أو ذلك المقال يُقدم على ما وصفه الأستاذ عزيز ضياء بالحماقة، إذ ليس من الحكمة أن يتخذ أحدهم أسلوب النقد المطلق لنظام حاكم بطريقة علنية وواضحة يُعلن من خلالها عدم رضاه عن الأسلوب الذي تنتهجه الحكومة أو النظام الحاكم أو انتقاده للشخصيات التي تمثل السلطة في البلاد بل والقول بوجود نزاعات وخلافات داخل الحكومة ورجالها سواءً كان ما يقوله صحيحاً أو غير صحيح، ويقوم بذلك بتأليب الرأي العام ضد السلطة بشكل استفزازي واضح وصريح.

جميعنا ننتقد ونبرز العيوب والمثالب بهدف تصحيحها، ولا يعنينا مطلقاً الأشخاص الذين ارتكبوا تلك الأخطاء بل تعنينا الأخطاء ذاتها، بل قد لا تجد صحيفة يومية إلا وقد نشرت مقالاً ينتقد فيه كاتبه جهة حكومية ما لضعف أدائها أو لسوء مخرجاتها دون تجنٍ عليها أو مبالغات في الطرح، فالكتابة الصحفية ليست كالدراما التي تعتمد عنصر المبالغة لتشويق المشاهد، إنها تعتمد عنصر المعلومة ومدى دقتها. لذا وبرغم ذلك، تجد المقال المكتوب الذي ينتقد جهة ما يحرص أن لا يخرج النقد عن حدوده ولا يتعرض الناقد لشخوص المنقودين ولا لأهدافهم ولا يتنبأ بنواياهم وإلا عرض نفسه للمساءلة القانونية.

هناك من يخرج علينا بين الحين والأخرى بمقالات أو خواطر تهاجم بشكل واضح السلطة ورجالاتها، ويتخذون من الشبكة العنكبوتية وسيلة لنشر ما تجيد بها قرائحهم من أفكار مختلفة تنحصر في غالبيتها في التشكيك وتبيان عدم النزاهة، وخلق خلافات معينة، وقراءة غير متأنية للمستقبل، ووضع صور سوداوية للقادم من الأيام، وتأليب الرأي العام من خلال التأثير عليه بسوق أمثلة منزوعة من سياقها لدعم ما يزعمون به.

لست ضد تقنين الحريات الشخصية في إبداء الرأي، ولست مع وضع حد أو سقف معين لحرية الرأي، بل إني أطالب بالعكس تماماً، لكنني في الوقت ذاته لست مع استخدام تلك الحرية في الإساءة دون وجه حق لنظام معين أو سلطة محددة والقول بأمور ليست من الواقع في شيء بحيث لا تقودنا تلك الحرية إلا لخلق لغط اجتماعي اعتادت عليه مجتمعاتنا العربية من خلال تعزيزها لثقافة المجالس والنقل وما يتبع ذلك من ترك مساحات وهوامش للإضافة والزيادة على ما قاله الكاتب.

لا ينهج هذا الأسلوب إلا الحمقى الذين يسعون بكل ما أوتوا إلى أحد أمرين لا ثالث لهما، أما الشهرة عبر شرائح اجتماعية مختلفة يشكل السذج مجمل أفرادها، أو يبحث عن غنى سريع من خلال سرد قصته في ما بعد في كتاب يوميات له قبل وبعد ذلك المقال، والباقي تعرفونه.

 

الحكمة والحماقة في الكتابة
عبدالله بن سعد العبيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة