Thursday  13/01/2011/2011 Issue 13986

الخميس 09 صفر 1432  العدد  13986

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وُصف برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي - والذي تمَّ تدشينه في السابع عشر من شهر ربيع الآخر عام 1426هـ - بأنَّه الأوسع والأشمل في تاريخ المملكة.

ويستهدف إجمالاً بناء الكوادر السعودية، وتأهيلها، وفق أفضل المعايير الأكاديمية والمهنية لسد احتياجات سوق العمل، خاصَّة الجامعات السعودية التي تزداد عدداً، وتشهد توسعاً رأسياً وأفقياً مُطِّرداً، وكذلك احتياجات الوزارات والمؤسسات الوطنية في القطاع العام، والمدن الصناعية، ومؤسسات القطاع الخاص في مختلف مناطق ومحافظات المملكة.

في المرحلتين الأولى والثانية اعتنى البرنامج بصورة أكبر بالمتقدمين لدراسة مرحلة البكالوريوس، ثمَّ في مراحله اللاحقة ركَّز البرنامج على ابتعاث المتقدمين لدراسة الماجستير والدكتوراه والزمالة الطبية، إضافة إلى المتقدمين لدراسة البكالوريوس في مجال الطب، والعلوم الطبية.

هذا البرنامج التنموي بامتياز، الذي تشرف عليه وزارة التعليم العالي، والذي يُعنى كذلك بتوسيع دوائر تبادل الخبرات العلمية والتربوية والثقافية مع دول العالم المختلفة، أنهى فترته الأولى، بمراحلها الخمسة، وجرى التمديد له فترة زمنية مماثلة في الخامس من شهر صفر عام 1431هـ. وقد تمَّ خلال هذه الفترة ابتعاث أكثر من (80) ألف طالب وطالبة لدراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والزمالة الطبية. وقد بلغت نسبة الطالبات نحو (17%). وهناك توقعات بأن يصل إجمالي المبتعثين إلى (140) ألف خلال السنوات الخمس القادمة. كما تمَّ خلال هذه الفترة إلحاق عددٍ من الطلاب والطالبات الذين يدرسون على حسابهم الخاص في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا بعضوية البرنامج.

من أبرز مدخلات البرنامج: التوسع في محتوى قاعدة التخصصات العلمية والمعرفية، لتصل إلى نحو (30) تخصصاً في مجالات: الطب، والزمالة، والصيدلة، والتمريض، والعلوم الطبية التطبيقية، والهندسة، والحاسب الآلي، والعلوم الأساسية: مثل: الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء. إضافة إلى تخصصات: القانون والمحاسبة والتجارة الإلكترونية والتمويل والتأمين والتسويق. والتوسع كذلك في نطاق قاعدة دول وجامعات الابتعاث لتشمل أكثر من (25) دولة من دول العالم، من أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا ودول أوروبا الغربية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.

إذن هذا البرنامج كما أشرت آنفاً هو الأكبر والأوسع والأشمل في تاريخ المملكة، مثل ما هو في تقديري - رغم بعض عثراته التنظيمية والفنية في بداية انطلاقته - يُعد نقلة نوعية كبرى لتطوير قطاع التعليم العالي في المملكة، وتعزيز بنيته العلمية والمعرفية، وتوجهاً قوياً نحو بناء المزيد من جُدُر التنمية المستدامة للموارد البشرية السعودية، وزيادة قدراتها التنافسية على مستوى المنظومة الإقليمية والعالمية.

هذا البرنامج الوطني الكبير، بأهدافه واستثماراته، يتطلب من كل القائمين عليه بذل كل الجهود الممكنة حتى يؤتي أُكُله، ويُحقِّق نتائجه المستهدفة، على صعيد البناء العلمي والمعرفي للموارد البشرية في المملكة. ومع التقدير لجهودهم المباركة، ليسمح لي القائمون على هذا البرنامج، بإبداء بعض الأفكار التي تجول في خاطر الكثير من المهتمين والمتابعين لمناشطه، وتتصل مباشرة برفع كفاءة مخرجاته. ولعليِّ أوجز ذلك في الآتي:

بما يختص بآلية عمل البرنامج، لا شك أنَّ هناك عناية فائقة بإجراءات التسجيل، والتواصل، والمتابعة، عبر الوسائط الإلكترونية، والتقليدية. إلى جانب العناية ببرامج التوعية والإرشاد، بما تحتويه من دورات (ومنها دورات لدراسة قواعد اللغة الإنجليزية) ومحاضرات وتعليمات، لتهيئة المبتعثين لبيئات تعليمهم في دول الابتعاث، وتعريفهم بتشريعات وقوانين تلك الدول. فضلاً عن إقامة ملتقى سنوي لجميع المقبولين، يستضيف نخبة من الخبراء والمتخصصين في الأنظمة التعليمية والشؤون القانونية وبرامج تطوير الذات.

هذه المنظومة المتكاملة من الخدمات الإدارية والفنية والإرشادية والإجرائية تنتهي أدوارها في الغالب بانتهاء الدراسة وعودة المبتعثين إلى الوطن. فلا يوجد بالتالي ما يمكن تسميته بخدمات ما بعد العودة إلى الوطن، وفي مقدمتها مساعدة المبتعثين العائدين على إيجاد وظائف مناسبة لطبيعة تخصصاتهم ومؤهلاتهم.

إذا كانت أحوال السوق والمنافسة التجارية تدفع بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص نحو تقديم خدمات إضافية، تُعرف تسويقياً بخدمات ما بعد البيع. فإنَّ المسؤولية الأدبية تفرض على القائمين على برنامج الابتعاث الخارجي العمل على مساعدة الطلاب والطالبات العائدين، وتسهيل مهام توظيفهم، خاصَّة وقد بدأت طلائعٌ منهم تصل إلى أرض الوطن تباعاً. صحيحٌ هناك جهود ومبادرات واجتهادات في هذا الاتجاه، ولكنَّها متناثرة، لا ترقى إلى درجة العمل والجهد المؤسسي. ويتحتم الأمر ربطها بآلية ذات طابعٍ مؤسسي، بمهام محددة، وبيئة تنظيمية وهيكلية مناسبة، تأخذ على عاتقها حصر وتنسيق الجهود والمبادرات ذات الصِّلة بالتوظيف، وبناء قواعد معلوماتية عن الوظائف المتاحة والمحتملة في سوق العمل السعودي بمختلف قطاعاته، على أن يتم تحديثها بصفة مستمرة. ويمكن أن تتبلور هذه الآلية على شكل لجنة دائمة أو وحدة بوزارة التعليم العالي، باعتبارها الجهة المسؤولة عن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، ويشترك في عضويتها بالضرورة كل الجهات ذات الصِّلة بشؤون العمل والتوظيف، وفي مقدمتها وزارة العمل، ووزارة الخدمة المدنية، والغرف الصناعية والتجارية.

هذا العمل المؤسسي سيجد ضَّالته اليوم في عشرات المبتعثين، الذين عادوا بسلامة الله إلى أرض الوطن، وقد تقطَّعت ببعضهم السُبُل، وهم يبحثون هنا وهناك، عن فرص وظيفية، تُحقِّق لهم أهدافهم وطموحاتهم، التي من أجلها تَّحملوا معاناة الغربة، ومشقة السفر والترحال، وجهد البحث والدراسة. وتتيح لهم تحويل ما درسوه نظرياً إلى سلسلة من التطبيقات والممارسات العملية لتعزيز قدراتهم ومهاراتهم العلمية والمعرفية، وتوظيفها لصالح مؤسسات وطنهم. في تقديري أنَّ التحدي الكبير الذي يواجه هذا البرنامج التنموي ، يكمن في استيعاب آلاف المبتعثين في المؤسسات والقطاعات الوطنية على اختلافها وتنوعها، وفي مجالات عملٍ مناسبة. فهذا هو الإنجاز الحقيقي للوطن، وفرصته التاريخية لتعزيز بيئة وطنية معرفية خلاَّقة، وتنافسية، تواكب التطورات العالمية في عصر الثورة المعلوماتية، واقتصاديات المعرفة.

هناك إشكالية أخرى، تتصل مباشرة بالموضوع مدار البحث، وقد تكون ثغرة في أهداف وسياسات برنامج الابتعاث إجمالاً. وتتمحور حول مسألة قيام بعض طلاب الدراسات العليا بتغيير التخصص الذي على أساسه تمَّ قبولهم في برنامج الابتعاث إلى تخصص آخر قد لا يتقاطع في الغالب مع تخصص مرحلة البكالوريوس. وهذا خطأٌ منهجي واضح، ففي زمن التخصص، والتخصص الدقيق، يُفترض أن يسعى الدارس أو طالب العلم إلى الإلمام بدرجة كافية بالمعارف ذات الصِّلة بتخصصه العام، عبر التخصص الدقيق في جزئياته، في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وبما يؤهله بالتالي إلى امتلاك قدرات ومهارات معرفية وفنية، تؤسس لمرحلة علمية وعملية غنية بالإنتاج والإبداع، تنعكس ثمراتها على المنظومة التعليمية والعلمية برُّمتها. فهذا هو التَّوجه العلمي المطلوب، إذا أردنا حقاً إنجاز أهداف الدولة من وراء أوسع برنامج ابتعاث في تاريخ المملكة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى قد يؤثر هذا المنحنى سلباً على فرص المبتعثين في الحصول على الوظائف المناسبة لهم، فجهات التوظيف، ومنها الجامعات قد لا يروقها هذا التضارب في مجال التخصص العلمي في مراحل التعليم العالية.

وإن كنت أعتقد جازماً بأنَّ وزارة التعليم العالي والمشرفين على برنامج الابتعاث حريصون على توزيع مغانمه بشكلٍ متوازن ليستفيد منه كل من استوفى شروط ومتطلبات البرنامج، من أبناء وبنات الوطن في مختلف محافظات ومناطق المملكة. فقد أحببت الإشارة إلى ذلك والتأكيد عليه، من أجل الوفاء بأهداف الخطة العامة الخمسية للدولة، وخاصَّة هدف «تحقيق التنمية المتوازنة في مختلف مناطق المملكة». وقبل ذلك الوفاء بأمانة الانتماء والمواطنة.

الكلمة الأخيرة: برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي، جزءٌ مهم من جهود ومبادرات الارتقاء بدرجة التَّلاقح الحضاري، والتمازج بين الثقافات الإنسانية، وذلك عنصر أساس في تعزيز مهام تطوير المنظومة الإدارية والخدمية والأكاديمية في المملكة، وفي الدفع بمسيرة البناء والتطوير والإصلاح خطوات أخرى تتماهى مع تحديات الثورة المعلوماتية واقتصاديات المعرفة.

 

برنامج الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي ومسؤولية توظيف العائدين إلى الوطن
د. عبد المجيد بن محمد الجلاَّل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة