Monday  07/03/2011/2011 Issue 14039

الأثنين 02 ربيع الثاني 1432  العدد  14039

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في ختام حديثي عن هبَّة الشعب التونسي العظيم بثورته الشعبية (الجزيرة 31-1-2011م) قلت: هل حقق ذلك الشعب إرادته كما عبر عنها شاعر تونس المبدع بقوله:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر؟

لقد اضطر زين العابدين بن علي لترك كرسي الحكم، واضطر المتلونون من رموز ذلك العهد إلى إعلان تخليهم عن الحزب الذي كانوا من زعمائه. وما عُهد للمتلونين تمسك بمبدأ أو التزام بموقف. لكن اكتمال تحقيق تلك الإرادة لا يتم إلا بإزالة بقية رموز العهد المطاح به؛ وفي مقدمة تلك الرموز أولئك الذين كانوا متنفذين في ذلك العهد.

وما قلته في ختام حديثي عن الثورة التونسية الشعبية المجيدة يمكن أن يقال ما يشابهه عن الثورة المصرية الشعبية التي تصدرها الشباب من الشعب المصري. وقبل الحديث عن مجريات أحداث هذه الثورة حتى الآن أود أن أشير إلى ما سبق أن عبرت به عن إعجابي وتقديري بعظمة شعب الكنانة؛ وبخاصة مواقفه المتعلقة بقضايا أمتنا العربية وفي طليعتها قضية فلسطين.

لقد ضرب الشعب المصري، بقيادة جيشه البطل، أمثلة رائعة من التضحية في حرب الاستنزاف، التي تلت نكسة 1967م، والتي كان في مقدمة أولئك الأبطال الذين استشهدوا فيها عبدالمنعم رياض- رحمه الله رحمة واسعة-، ثم جاءت حرب 1973م، التي أثبت فيها ذلك الجيش عظمته، كفاءة وإقداماً، في عبور القناة وتحطيم خط بارليف. وكان من قادته الأفذاذ سعد الدين الشاذلي، الذي انتقل إلى رحمة الله قبل أيام من تحقيق ما حققه ذلك الشعب العظيم في ثورته الأخيرة. وكنت قد عبرت عن عظمة الجيش المصري في تلك الحرب على لسان مقاتل بطل من أفراده برسالة من رسائل بعثها إلى أمه من ساحة المعركة بقولي:

عَبَر القناة مظفَّرًا وتقدَّما

جيش تبارك زحف موكبه السما

أُمّاه لم تعد الحواجز مانعاً

عَبَرت مواكبنا الحواجز بالدِّما

والخط! أين حديث من غَنَّوا به

دهراً؟ على أيدي الأُباة تحطَّما

والجيش! أين القائلون بأنه

أسطورة كبرى؟ حنا واستسلما

أُمَّاه أين الشامتون بأُمَّتي؟

دُحِروا.. هوى ما روَّجوا وتهدَّما

وتبيَّنوا أن العروبة أُمَّة

لن يستكين إباؤها أو يُهزما

لما دعا داعي الجهاد تسابقت

للساح مُفعمةً حماساً مُضرماً

تضع الفداء إلى الخلود وسيلة

والتضحيات إلى الكرامة سُلَّما

أُمَّاه أين الساخرون؟ طلائعي

تركت نعيقهم المُردَّد أبكما

وتساؤلات المغرضين تَبدَّدت

لقيت بسيناء الجواب المُفحِما

الآن يا أُمّي أُعيد كرامتي

أقضي على ذُلِّي قضاء مُبرَما

وغداً ربوع القدس تصبح حُرَّة

والمسجد الأقصى عزيزاً مُكْرَما

وما خبت جذوة إيمان كاتب هذه السطور بعظمة الشعب المصري، ولا ساوره شك في إقدامه على النهوض إلى ما يليق بمكانته؛ وبخاصة أن ذلك الشعب أمضى أكثر من ثلاثة عقود منذ توقيع السادات غير الموفقة على اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني دون أن تقدم فئة من فئاته على التطبيع مع ذلك الكيان. وأخيراً توجت الأدلة على تلك العظمة بالثورة الشعبية التي جاء الحديث باختصار عن شيء من جوانبها في مقالة نُشرت بتاريخ 4-3-1432هـ. ومقالة أخرى نشرت بتاريخ 11-3-1432هـ

وبالعودة إلى الحديث عن بعض وجوه الشبه في مجريات أحداث الثورة المصرية الشعبية، ومجريات أحداث الثورة التونسية الشعبية يرى المرء أن الرئيس المصري اضطر - أمام إصرار الشعب الثائر - إلى التنحي عن كرسي الرئاسة، تماماً كما فعل الرئيس التونسي. لكن جيش تونس كان أكثر حزماً وحسماً في جعله لا يجد عن ذلك بديلاً، أما الجيش المصري، الذي يرتبط قادته الكبار بالرئيس المصري السابق حسني مبارك ارتباطاً وثيقاً، فكان أكثر تساهلاً في الحزم والحسم مع ذلك الرئيس، وكان أن أمن له إقامة في شرم الشيخ إلى أن يُدبر الله ما يشاء.

ولقد أزيح عدد من أركان النظام المصري المترهل فساداً وظلماً، ولم يكتف بإزاحتهم - وإزاحتهم عن مناصبهم أمر جميل -، وإنما منعوا من مغادرة البلاد، أيضاً تمهيداً - فيما يبدو - لمحاسبتهم محاسبة عادلة على ما اقترفوه من آثام بحق الشعب المصري من ممارسات ظالمة فاسدة. بل إن عدداً من الوزراء قيدوا إلى السجن للتحقيق معهم، ومما تحقق من المطالب، التي طالبت بها الثورة حل مجلسي الشعب والشورى، اللذين يدرك المطلعون على الأموركيف تكون الأعضاء فيهما، وتعليق العمل بالدستور. وقد كونت لجنة لإعادة صياغة البنود التي يرفضها الشعب؛ وذلك بمثابة خطوة أولى مؤقتة إلى أن يصاغ دستور جديد يرجى أن يحقق سير الأمور في مختلف وجوه الحياة السير المرجو لشعب برهن بثورته الشعبية على أنه يستحق أن يحيا حياة تليق به. ومما يبعث السرور في نفوس المخلصين والمحبين لمصر أن رئاسة تلك اللجنة عُهد بها إلى شخصية جديرة برئاستها؛ علماً وخبرة وسيرة فاضلة؛ وهو المستشار طارق البشري، وأنها ستقوم بصياغة ما كلفت به خلال أيام معدودات. ومما يبعث السرور، أيضاً، أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أصبح يسير الأمور في البلاد، قد وعد بأنه سيسلم الأمور إلى حكومة مدنية ينتخبها الشعب في مدة لا تتجاوز ستة شهور.

بل إن من المطالب الكبيرة التي تحققت استقالة الحكومة التي عينها حسني مبارك قبل تنحيه عن الحكم، أما الآمال التي يرجى تحققها فمنها أن يبعد عن مناصب الدولة؛ وبخاصة ذات الأهمية القصوى، أي رمز من رموز العهد السابق.

ومما يرجى تحققه من الآمال أيضاً، تقرير وضع اللواء عمر سليمان، الذي عينه حسني مبارك نائباً له عندما بلغت روح نظامه الحلقوم بعد أن بقي ثلاثة عقود دون تعيين نائب له إذ لم يتضح حتى الآن تنحيه أو عدم تنحيه عن منصبه. صحيح أن سير الأمور يحمل في طياته دلالة على أنه لم يبق له مكان في الحكم، لكن إيضاح الأمر مما يجعل القلوب المؤمنة تزداد اطمئناناً. على أن في مقدمة آمال كاتب هذه السطور المرجوة هو أن يحقق الله لمصر العزيزة، وشعبها العظيم، وأمتنا العربية كل نجاح ورقي وتقدم.

 

مطالب تحققت وآمال يرجى تحققها
د. عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة