Tuesday  03/05/2011/2011 Issue 14096

الثلاثاء 29 جمادى الأول 1432  العدد  14096

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

هاتفني صباح هذا اليوم قائلا: صباح الخير يا أبا أسامة، قلت: أهلاً بك وطاب صباحك، قال: أتدري مَنْ يكلِّمك الآن؟ قلت: أنتظر تعريفك بنفسك، ومرحباً بك قبل معرفتي بك وبعدها، قال: معك أشقى إنسان في العالم، قلت مبتسماً: أهلاً بك، فقد جعلتني اليوم متميزاً عن الناس، قال: لم أفهم قصدك. قلت: قصدي أني أفوز بمكالمة أشقى إنسان في العالم. وهذا ما لم يَفُز به غيري في هذا الصباح، سكت قليلاً فسألته: ما سبب فوزك بهذا اللقب الكبير؟ قال: حياتي النَّكِدة. قلت: ما علامة النَّكَد فيها؟ قال: أنا الآن في طريق الملك فهد في مدينة الرياض أشاهد الأبراج الضخْمة يميناً وشمالاً، وأنا أتحمل الآن ديوناً كثيرة لأنني ملكت شقةً صغيرة. قلت له: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: إلى عملي، قلت: أين تعمل؟ قال: في وزارة كذا. قلت: كم راتبك؟ وحينما سكت، قلت له لا تخبرني فإنما هو سؤال لغرض. قال: أبداً لا مانع من إخبارك، راتبي حوالي ثمانية آلاف ريال. قلت: هل أنت متزوِّج؟ قال: نعم، قلت: هل أنتَ مسلم؟ فضحك قائلا: سامحك الله، وهل هذا سؤال؟ نعم مسلم والحمد لله، قلت: ما اسمك قال: محمد. قلت: هل تعلم يا محمد أنك بهذا الحديث عن نفسك قد فوَّتَّ عليَّ فرصة التميُّز؟ قال: لماذا؟ قلت: لأنني كنت سأقول للناس مَنْ منكم مثلي في هذا اليوم؟ فقد تكلَّمت مع أشقى إنسان، ولكنَّك أوضحت بإجاباتك عن أسئلتي أنك لست أشقى الناس، بل أنْتَ مِن أسعد الناس. سكت سكوتاً أطول هذه المرة، فقلت له: هل تسمعني؟ قال: نعم، قلت: يا محمد، انظر الآن إلى الطريق أمامك، ودعك من الأبراج التي تراها، فربما كنت أسعد من أصحابها، أتدري من أشقى الناس في هذا اليوم؟ قال: من؟ قلت: إنَّ أشقى الناس يا محمد في هذا اليوم من أصبح كافراً بربِّه مطيعاًَ لهواه، ظالماً لنفسه، متعدّياً على حقوق الناس، إنَّ أشقى الناس في هذا اليوم من أصبح فيه غافلاً عن ربه عزَّ وجلَّ مشغولاً بدنياه، وأشقى منه من أصبح كاذباً، أو ظالماً، أو راشياً أو مرتشياً، أو ساباً شاتماً لأهله أو لمن لقيه من الناس.

كان الصمتُ هو اللغة التي يحدثني محمد بها في هذه اللحظة، فقلت متابعاً حديثي: انتبه للطريق حتى لا ترتطم سيارتك بالسيارة التي أمامك، وحينها سترتطم بك السيارة التي وراءك، وقد يصبح الارتطام سلسلة طويلة تتعطَّل بها مصالحك ومصالح الناس، واعلم يا محمد أنَّ في مدينتك التي أنت فيها من لا يجدون قوت يومهم هذا، وربما كان بعضهم من جيرانك وأنت لا تعلم، وأذكِّرك أيها الناظر إلى الأبراج بقول حبيبنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

أتريد أن أدلك على منهج نبوي كريم، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتبعه إذا رأى شيئاً من الدنيا أعجبه؟ قال مبادراً، نعم، أريد ذلك. قلت: مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى شيئاً من الدنيا أعجبه يقول: «لبيك، إنَّ العيش عيش الآخرة»، قال محمد: لماذا قال عليه الصلاة والسلام: لبيْك؟ قلت: مما ورد عن العلماء في هذا، أنه يقول ذلك من أجل كبح جماح رغبة النفس، فكأنه، ترك دعوة النفس إلا ما أعجبها، إلى دعوة الله عز وجل، قائلا: «لبيك يا ربَّ استجابةً لك، حتى لا تغتر النفس بمتع الحياة الفانية، مؤكداً أن عيش الآخرة هو العيش الحقيقي.

بعد لحظة صمتٍ قال لي: أبا أسامة. قلت: نعم. قال: أسعدك الله في الدنيا والآخرة كما أسعدتني هذا اليوم، وأستغفر الله مما قلت، وأشكر برنامج «بك أصبحنا» في إذاعة القرآن الكريم الذي أسمعني صوتك في أبيات شعرية فدفعني إلى الاتصال بك.

قلت له: آمين وأسعدك الله وجميع المسلمين والمسلمات.

إشارة :

لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شرْبَةَ ماء.

 

دفق قلم
أشقى الناس ؟!
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة