Sunday  05/06/2011/2011 Issue 14129

الأحد 03 رجب 1432  العدد  14129

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

عندما قال العرب القدماء؛ بأن (أصدق الشعر أكذبه)، لم يدر بخلدهم تصنيف الشعر إلى شعرين: شعر صادق وشعر كاذب، وإنما قصدوا التفضيل من باب المبالغة في البلاغة، والشعر إذا لم يتجاوز المألوف والمعروف، ظل يراوح في دائرة عادية، فلا شنف سمعاً عند سامع، ولا هز وجداناً عند متذوق. قال الشاعر العراقي (جميل صدقي الزهاوي):

إذا الشعر لم يهززك عند سماعه

فليس حرياً أن يقال له شعر

ولو أنصف العرب شعرهم منذ تفضيل الأكذب على الأصدق -كما قد يُفهم من قولهم- لقالوا بأن: (أصدق الشعر أحزنه)، ذلك أن القصيدة الحزينة، فصيحة كانت أو عامية، وفي جوهرها أو مبناها، توحي لقارئها أو سامعها، أنها نابعة من قلب دامٍ، ومن كبد مفطور، وأنها تعبر عن وجدان كسير، وأنها تعكس حالة نفسية تحمل أصدق حالات الحزن عند الشاعر.

حمل بريد الـ(You Tube) مؤخراً، على هذا الرابط: (http://www.youtube.com/watch?v=18mqZ4zC-jE) قصيدة عنوانها: (يا طروش)، هي غاية في الألم والحزن، لشاعر بدوي من شمالي الأردن اسمه (فريج الفريج الغياث)، يعمل قاضياً عشائرياً، وقد غناها على الربابة (الحزينة هي الأخرى)، المغني الأردني عذب الصوت (عمر العبدلات)، وتدور قصتها العجيبة، حول أب في الثمانين من عمره، مثلوم مكلوم في أبنائه الثمانية، الذين انصاعوا لرغبات زوجاتهم، فأخرجوه من دورهم، ورموا به وهو عاجز في الخرائب البعيدة مع البوم والوحوش، لا أنيس ولا ونيس، فقال هذه القصيدة الباكية، وبعث بها مع (الطروش)- طروش البر لا طروش البحر ولا طروش الجو..!!- الذين هم من المراسيل والبدو الرحل، إلى ابنه الكبير علي، الذي كان في رحلة صيد، وهو لا يعلم ما صنع إخوانه بأبيه وأبيهم.

يقول الأب مذكراً أبناءه العققة بشقائه وتعبه، ليربيهم ويغذيهم ويسقيهم ويحميهم، وبما آل إليه حاله معهم في كبره وعجزه، ويدعو عليهم والعياذ بالله:

ويا طروش.. ياللي ناحرين المراجيب

وتريضوا لي.. وقصروا من خطاكم

واخذوا كلام الصدق ما به تكاذيب

ويا موافقين الخير.. حنا وياكم

وهديت بيكم راد لن وادي سلاحيب

ولقيت بالصبخة مدافيق ماكم

وثمان سنين أرطب القلب ترطيب

والتاسعة وأنا أترجى حداكم

واجيبكم على الوعر مع تداريب

ومن خوفي يا بوي عايل يجهد بلاكم

واسعى مع الخلقان ورافق الذيب

ومن خوف لا ينقص عليكم عشاكم

ويا عيال.. ما سرحتكم مع الاجانيب

ولا على الصعقة كليتم غداكم

ويا عيال.. ما ضربتكم بالمصاليب

ولا سمعوا الجيران جظة بكاكم

واحفيت رجلي في سموم اللواهيب

وخليت لحم الريم يخالط عشاكم

وقمت أتعكز فوق عوج المذاريب

وقصرن اخطاي يوم طالن خطاكم

ويا عيال.. خوالكم مرويين بالطيب

وما تعلموني: هذا الردى منين جاكم؟!

وهبوا.. يا جيل الخنا كلكم عيب

يا اللي على الوالد كثيرن لغاكم

وانتم تبعتم صفر العراقيب

ما هن معزة سوّد الله قراكم

وريت نساكم ما تحبل ولا تجيب

وتقعد بطالة جالسات بلاكم

وعسى قمركم لا يطلع ولا يغيب

والشمس مضوية ويعتم سماكم

هذه القصيدة النبطية الدامعة، يقابلها أخرى فصيحة، حزينة دامية وباكية، في علاقة العقوق بين الأب وأبنائه، قالها الشاعر الثقفي (أمية بن أبي الصلت)، في ابن له كان عاقاً، فتمنى لو أن ابنه عامله معاملة الجار على أقل تقدير، لا معاملة الابن لأبيه. قال:

غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً

تعل بما أدني إليك وتنهل

إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت

لشكواك إلا ساهراً أتململ

كأني أنا المطروق دونك بالذي

طرقت به دوني وعيني تهمل

تخاف الردى نفسي عليك وإنها

لتعلم أن الموت حتم مؤجل

فلما بلغت السن والغاية التي

إليها مدى ما كنت فيك أؤمل

جعلت جزائي غلظة وفظاظة

كأنك أنت المنعم المتفضل

وسميتني باسم المفند رأيه

وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقل

فليتك إذ لم ترع حق أبوتي

فعلت كما الجار المجاور يفعل

أين هؤلاء الأبناء العاقون، الذين يظهرون ويعيشون في كل عصر وفي كل جيل، من حنو آبائهم وأمهاتهم عليهم، صغاراً وكباراً، الذي عبّر عنه الشاعر حطان بن المعلى بقوله:

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض

إن هبت الريح على بعضهم

لم تشبع العين من الغمض

اللهم ارزقنا طاعة الوالدين، وأنلنا رضاهم عنا، واجعل لنا من ذريتنا من يطيعك ويأتمر بأمرك، فأنت سبحانك الذي ربطت عبادتك بالإحسان إلى الوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} الإسراء23-25.

assahm@maktoob.com
 

أحْزان.. مع (طُروش البَرّ)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة