Saturday  17/09/2011/2011 Issue 14233

السبت 19 شوال 1432  العدد  14233

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

قبل ربع قرن وبالتحديد في عام 1773م، صعد المتظاهرون على السفن الجاثمة في ميناء بوسطن الأمريكي، وقذفوا بالشاي البريطاني في البحر احتجاجاً على الضريبة التي فرضها البريطانيون على الشاي. هذا الرفض الصارم لتدخُّل الحكومة في السوق ولفرض الضرائب، هو جانب من النسخة الأصلية للرأسمالية الحرة التي تبنتها أمريكا لقرون في مد وجزر بين المحافظين الذين يريدون الحفاظ على إبقاء الدولة بعيداً عن التدخل في السوق ومنعها من فرض الضرائب، وبين الديمقراطيين الذين يسعون للحد من قوة احتكار السوق عن طريق تدخُّل الدولة والعمل على توزيع الثروة عن طريق فرض الضرائب على الأغنياء ودفعها عن طريق الإعانات الحكومية للفقراء والمحتاجين. (والضرائب هي مدخول الحكومة والإعانات هي جزء من الإنفاق الحكومي). حزب الشاي الذي تسمّى بهذا الاسم ليدل على توجهاته المحافظة، هو النسخة الأصلية من الحزب الجمهوري (المحافظين). وقد تمكن حزب الشاي مؤخراً من مقاعد مجلس الشيوخ كردة فعل لحادث الحادي عشر من سبتمبر. حزب الشاي بقوته الجديدة في مجلس الشيوخ هدد بالتصويت ضد رفع سقف الديْن وتحقيق إفلاس أمريكا إذا عادت الضرائب التي رفعها بوش الابن عن الشركات والأغنياء بعد حادث سبتمبر، وطالب بدلاً من ذلك بإلغاء الإنفاق على الصحة والتعليم.

الدعوة إلى إفلاس أمريكا من أكثر الأحزاب المحافظة تطرفاً يدعو إلى التساؤل: إن كان هؤلاء المحافظون المتشددون يريدون صناعة القرار في أمريكا أم أن الإستراتيجيين من القادة الأمريكيين قد استخدموا المحافظين المتطرفين ليطرحوا فكرة ممنوعة فنياً ومرفوضة اقتصادياً ومستحيلة شرفياً، من أجل أمر يُدبر للمستقبل.

فالتغييرات الجذرية تحتاج إلى تهيئة المجتمع الدولي (كما فعلوا في الستينيات قبل فصل الدولار عن الذهب، وكما فعلت دبي حين مهدت لإفلاسها حتى تقبل الناس هذه الفكرة. فها هي قد أفلست ولا يذكر أحد أن دبي مفلسة اليوم - إعادة جدولة الديون هي الإفلاس -).

ليس المجال هنا مجال شرح كل ذلك، ولكن المحافظين المتشددين في جميع دول العالم هم الذين تجدهم مستعدين لتدمير بلادهم أو تدمير اقتصادها أو سمعتها أو وحدتها مقابل التمسك بالأبجديات الحرفية عن ما ورثوه من آباء أجدادهم الذين قامت - بالأمس البعيد - على أكتافهم البلاد في تأسيس الأيدولوجية الحاكمة أو في توحيد الولايات والأقاليم.

فها هو حزب الشاي لا يُبالي أن تفلس أمريكا (وما يلحق من هذا من دمار لسمعة أمريكا واقتصادها) مقابل أن يرجعوا إلى تطبيق الرأسمالية الحرة بنفس الأبجديات الحرفية لآبائهم المؤسسين لأمريكا. وهذه روسيا تُمكِّن المحافظين من السيطرة على صنع القرار، فلم يتراجعوا حتى انهارت روسيا انهياراً كاملاً في لمحة أشهر، بل أسابيع. بينما في الصين غلب الليبراليون المحافظون فاستطاعوا أن يجنبوا البلاد الانهيار المفاجئ. فالصين هم أول الشيوعيين الذين بدؤوا من أول السبعينيات في التخلي عن الاشتراكية، في حرب شرسة مع المحافظين الذين ما زالوا يبكون الاشتراكية وينادون بالعودة إليها.

وبالإضافة إلى ضرر المحافظين على تقدم الدول وتطورها، فإن الملاحظ أن المحافظين هم عادة من يضر الضعيف وينتصر للقوي بحجج متنوعة، والعجيب أنه يجد له أتباعاً كثيرين، كما هو الحال في أمريكا وروسيا والصين. ومما يُسكت عنه في تاريخ سياسات الدول أن المحافظين ليسوا دائماً صنَّاع القرار (كما في روسيا) بل قد يكونون أداة في يد صنَّاع القرار، كما أعتقد أنه هو الوضع بالنسبة لحزب الشاي الذي هدد بإفلاس أمريكا.

hamzaalsalem@gmail.com
 

المسكوت عنه
المحافظون يصنعون القرار أم يُصنع بهم؟
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة