Thursday  13/10/2011/2011 Issue 14259

الخميس 15 ذو القعدة 1432  العدد  14259

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

في رثاء الشيخ عبدالله ابن عقيل
عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري

رجوع

 

إنَّ الموت مكتوبٌ, والآجال مقدَّرةٌ, والرجال معادنٌ, والخير لا يزال في الأمَّة ما دام فيها من حملة العلم العدول أمثال شيخ الحنابلة المسنِدِ القاضي عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل - رحمه الله - الذي ودَّع الدنيا إلى الحياة البرزخيَّة في يوم الثلاثاء الثامن من شوال لهذا العام, وصُليَ عليه بعد عصر يوم الأربعاء التالي في جامع الملك خالد بأمِّ الحمام بالرياض ودفن في مقبرة أمِّ الحمام, وجنازته مشهودةٌ شيَّعها خلقٌ كثيرٌ من محبِّيه وعارفي فضله, وفقدُ عالمٍ في مستوى هذا العالم الجليل رزيَّةٌ وبليَّةٌ, ففقد العلماء من المصائب التي يصابُ بها المسلمون, وأنا لن أتحدث عن سيرته المكتوبة والمعروفة بين الناس, لأنها متداولةٌ منشورةٌ, بل سأكتبُ ما أعرفه عنه من خلال التقائي به, فهو العالم الفذُّ أكبرُ علماء المملكة العربيَّة السعوديَّة سنَّاً, نال من المكانة الرفيعة بين العلماء وطلاب العلم ما جعله محلَّ ثقةٍ فيهم خصوصاً, وفي الناس عموماً, وله من نبل الأخلاق ما جعل الناس يألفونه ويرتادون مجلسه, ومن توفيق الله لي أنْ التقيتُ به مراتٍ عديدةٍ, وكان أولها عندما صليتُ معه في المسجد القريب من بيته, فسلمت عليه فسألني عن اسمي فذكرتُه له, وكان من عادته أنْ يسأل زائره عن اسمه ومنْ أيِّ المدن, إنْ لم يكن يعرفه, وأصبح يتحدث معي وكأنَّه يعرفني من سنين طويلةٍ, فأنستُ بحديثه, وذكر لي أنَّه التقى بجدِّ والدي الشاعر سليمان بن مشاري ابن علي المعروف بـ (راعي الداخلة) وجالسَه عدَّة مراتٍ, بواسطة صاحبيهما الشيخ العلامة زيد الفيَّاض -رحم الله الجميع- فترَّحم وأثنى عليه, وذكر لي بعض الأبيات التي يحفظها من قصائده, وما كان منه إلا أنْ أصرَّ عليَّ بزيارته, وكتب الله لي تكرار زيارته, فأفدتُ من بعض مجالسه العلميَّة التي يعقدها في منـزله العامر, ورأيتُ بذله للعلم الذي يندر أنْ تراه في علماء هذا العصر, خصوصاً بعد موت العلماء الأئمة: سماحة شيخنا عبدالعزيز ابن باز, وسماحة شيخنا محمد ابن عثيمين, وسماحة شيخنا عبدالله بن عبدالرحمن ابن جبرين -رحمهم الله وأعلى منازلهم في الجنَّة آمين- ولقد كان من سمة العلامة عبدالله ابن عقيل -رحمه الله - التواضعُ الجمُّ الذي ميَّزه الله به, وهو مع كبر سِنِّه أعطاه الله من الصحة والنشاط وقوة الذاكرة والإدراك ما يعجب منه مجالسُه, فهو يذكرُ تفاصيل دقيقة لها عشرات السنين, كما كان عالماً مُربِّيا, وقد كنتُ مرَّةً سألته عن مسألة فقال لي: احضر عندي بعد يومين وسنبحثها معاً فلديَّ مكتبةٌ خاصةٌ في منـزلي, فشكرتُ له ذلك الكرم العلمي والجبلي, وعرفتُ به عالماً باذلاً للعلم, حريصاً عليه, وفي هذا الموقف من التربية الصحيحة وبُعدِ النظر ما جعلني أعرف كيف كان يربي طلابه, ليعرفوا كيفيَّة الوصول إلى العلم في الكتب, ثم يعطيهم التوجيهَ في المسألة ويستطرد فيها إنْ وسع المجال, وهذا لا يُستغربُ على عالمٍ تربَّى وتتلمذ على علماء أفذاذ يُشار إليهم بالبنان, أبرزهما شيخه الأول العلامة الفقيه المفسِّر/ عبدالرحمن بن ناصر السعدي, وسماحة مفتي الديار السعوديَّة العلامة الإمام/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمهم الله جميعاً- والذي حظي بمنـزلةٍ رفيعةٍ عندهما, ومما يُميِّز الشيخ عبدالله ابن عقيل اهتمامه بالإجازة في مرويَّات كتب الحديث, وقد حصل على كثيرٍ منها من بعض العلماء الذين تتلمذ عليهم, وكذلك فقد أجاز بعض تلامذته في روايتها من طريقه, مما زاد إقبال الطلاب إليه ممن يهتمون بالحصول على إجازةٍ لمرويّاته, ولئن مات هذا العالم الجليل فلقد أبقى تلامذةً أفادوا منه, ويُفيدون الناس, وسيبقى ذكره زكيًّا عطِرًا, كما كان في حياته, فرحمه الله رحمةً واسعةً وأسكنه الفردوس الأعلى في الجنَّة, وألهم أهل بيته وذويه, وتلامذته ومحبيه الصبر والسلوان, وجمعنا به في الجنَّة آمين.

خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)

Mashri22@gmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة