ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 02/07/2012 Issue 14522 14522 الأثنين 12 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

* كنتُ ذات يوم من ذات سنة في ذات مكان غَارقاً في تأمُّل معاملة مهمة، وإذا بأحد موظفي الجهاز الذي أعمل به يدلف إلى مكتبي مسرعاً، والبُشْر يكسو وجهَه، وبعد السلام وشيءٍ من الكلام، قلتُ له مداعباً: (عسَى أن يكون في هذه الإطلالة منك ما يسرُّ وينفع)! وأخذتُ أتساءلُ سراً عمُّّا يمكن أن يكونَ سبب فرح ذلك الموظف في تلك الساعة المبكرة من النهار! تُرى هل نالَ قسطاً متْرفاً من إرثٍ سمين يودّعُ به الفقرَ والحاجة، أم أنه رُزِقَ بمولود أدخله دنيا الأْبوّة لأولِ مرة، بعد طولِ انتظار، أم أنّ عَزِيزاً له أو قريباً شُفِيَ من مَرض عضال.

* وفجأةً.. قطِع عليّ سياَق التأويلاتِ لفَرحه قائلاً: (أُبشّرك أنّني أكْملتُ أمس المدةَ النظامية اللاِّزمة للترقية إلى المرتبة التالية)! فقلتُ له بنبرةٍ لم تْخلُ من شيءٍ من سخرية، بعد أن مُنيِتْ (تأويلاتي) لفَرحه بالفَشَل: (ألف مبروك.. كمْ أنا سعيد جداً بهذا النبأ!؟) وشَعرتُ أنه لم يُدركْ مغْزى (ترحيبي) الغريب بالنبأ الذي جاء به، ثم عاجلني متسائلاً: (متى الترقية -طال عمرك-؟).

* هنا اعتدلتُ في مجلسي، وسألتُه أن يصغيَ إلى ما سأقوله له دون مقاطعة منه، ثم قلت: (بدْءاً من أنبأك يا أخي أن إكمالَ المدة في مرتبةٍ ما هو المفتاح (السحري) للترقية لما يليها، ولا شيءَ سوى ذلك)؟! ثم تابعت قائلاً: (لن ألومك أو أعتب عليك لسؤالك سالف الذكر عن الترقية، فمن حقك أن تحلَمِ وتَتوقَّعَ الخيَر لنفسك بترقيةٍ أو سواها، لكن أن تكونَ ناسياً أو متناسياً أو غافِلاً عن ما (يُسوّغ) الترقية أو يكيّف (استحقَاقَها) من شروطٍ وضوابطِ قياسٍ، فذاك مأْخذُ عليك أرجو أن تَمحوَه من ذهنك، من الآن!).

* ثم سردت على سمعه عدداً من القواعد الوظيفيّة المتعلقة بهذا الموضوع، فقلت:

1- إن إكمال الموظفِ المدةَ المقنّنةَ في مرتبة معينة لا يعني (استحقاقَه المطلق) للترقية لأيّ مرتبة، علَتْ أو دنَتْ، ونصابُ البقاء في المرتبة مدةً معينةً ليس سوى أحد الضوابطِ أو الشروط للشروعِ في إجراءات ترقيةِ الموظف إلى مرتبة أعلى، ومنها توفُّر المؤهلِ الَّلازمِ، وأن يكونَ أداؤُه خلال فترةَ شَغْلهِ للمرتبةِ الحاليةِ جيّداً ومشْهوداً وُمزكَّى، ناهيك بسلوكه واحترامه لآدابِ العمل وقواعده، وقد يكون نصابُ المدة أحياناً مُرجِّحاً لكِّفة التّفاضُل بين المتنافسين على مرتبة معينة إذا (تساووا) جميعاً في شروط التأهيل الأخرى، وكان هذا الموظف أو ذاك أقدمَهم شَغلاً لمرتبته الحالية.

2- لا يُمكن إغفالُ حقِّ زملاءِ هذا الموظَّفِ من المنافسة للترقية للمرتبة ذَاتِها وفْقَ المعايير المقنّنة لها، والحائزُ منهم على التقدير التراكمي الأفضل، يفوزُ بها.

3- ليسَ المرادُ من الترقية دعمَ المرقَّى فحسب بدراهمَ معدودةٍ، علاَ مقدارُها أو دَنَا، ولكنَّها تعني منحَه فرصةَ الارتقاءِ بأدائهِ وقُدراتِه إلى مستوىً أعلى يمكّنُه من بلُوغ قَدْرٍ أفضل من الخدمة والنجاح الوظيفي نتيجةً لذلك.

4- أخيراً: الترقيةُ لمرتبةٍ أعلى ليستْ (منحةً) ولا (هبةً) ولا (شرهةً) ينالُها الموظف (لمجرد إكمال المدة)، ولكنها عملية (تنافسية) بدءاً ونهاية، يفوز بها (الأجدرُ) أداءً، وليس (الأقدُم) مدةً، أو الأكثر (حضوة) عند هذا المسؤول أو ذاك!

* هنا أمسكتُ عن الكلام المبَاح، لأسترقَ النظرَ إلى وجه الموظف الماثل أمامي في المكتب، فإذا هو مطرقٌ وقد هجره الحماسُ الذي كان متسَربلاً به عند دخُوله المكتبَ أول مرة، عندئذٍ، لم أترَّددْ في الاعتذار منه معترفاً أن كلماتي ربما (جرحت) شيئاً من طموحه، وهو ما لم أقصده أبداً.

* كلّ ما فعلته هو أنني أردتُ أن أبسطََ له ما لم يعلمْه أو ما يجب أن يعرفَه من آلياتِ الترقيةِ الوظيفية وأحكامها، كي ينأَى بذهنِه وفُؤادِه عن (شَخْصنِة) الأمر أو تبسيطِه اعتقَاداً أن إكمال المدة في مرتبةٍ مَا.. هي (المبتدأُ والخبُر) لبلوُغِ ما يتمنّى.

 

الرئة الثالثة
إكمال المدة شرط مهم للترقية في الوظيفة العامة.. ولكن!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة