ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 02/07/2012 Issue 14522 14522 الأثنين 12 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يولد الإنسان حاملاً التساؤل، من أنا؟ وماذا يشكل الآخر بالنسبة لي؟ وهذا يستحضر في ذهني نادرة حول إعرابي يدعى هبنقة، إذ جعل في عنقه قلادة خشية أن يضل نفسه ففعل ذلك ليعرفها بها فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال يا أخي أنت أنا فمن أنا؟

جوهر القول إن رحلة البحث عن الذات والرغبة في معرفتها ضاربة في القدم {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (الذاريات آية21)

ولكن السؤال هنا: لماذا نحاول تشويه صورة الآخر، إقصاءه، أو الصراع معه جهراً كان أو خفية حين نريد تعزيز صورة ذاتنا؟

هل الاحتفاء بالذات تعني حفر قبر للآخر خاصة ذلك المختلف عنا، ألا نعي بأن كينونتنا لا تتشكل إلا بوجود هذا الآخر، وهذا ما جاءت به نظريات تشكيل الهوية الاجتماعية كنظرية اريكسون وكذلك جهود فلاسفة الفكر الأوروبي وعلى رأسهم هيجل وسارتر والتي بالأصل جاءت إفرازاً لوجود قوى التناحر الاجتماعي والطبقي في الفكر الأوروبي آنذاك (وفي ذلك لنا كشعوب عربية خير عبرة).

يقول الفيلسوف بليز باسكال: “للأنا خاصيتان، فمن جهة هو في ذاته غير عادل من حيث أنه يجعل من نفسه مركزاً لكل شيء، وهو من جهة أخرى مضايق للآخرين من حيث أنه يريد استعبادهم؛ ذلك لأن كل “أنا” هو عدو، ويريد أن يكون المسيطر على الكل”.

وحري بي هنا ذكر بعض الأمثلة من حالات الإقصاء ومنها على سبيل المثال لا الحصر نعت الحضارة الغربية بسمة الانحلال؛ بينما يصنف الشرق بأنه الأكثر استقامة، والمرأة هي الأفضل والأكثر عطاء من الرجل الذي يوصم بأنه لا يحسن صنع شي لنفسه لولا ذلك المخلوق المتفاني فتطلق صرخات لتجنيد حملات شعواء ضد الرجل، والكبار بالسن عثرة أمام الإنتاجية لنؤكد زعمنا من أن روح الشباب هي الأولى بالرعاية والصيانة، ذوي البشرة البيضاء هم الأكثر ذكاء ورقياً ؛ بينما الملونين موصومون بالغباء والوحشية.

والعكس بالعكس في كل ما ذُكر من أمثلة.

باختصار: كل خارج عني فهو عدوي؛ متجاهلين أن الضد بالضد يعرف، وما مطلب الإنسان الواعي إلا المعرفة، فلماذا إذن نحارب كل ما هو ضد ما نحمل؟

وما شيء من التكامل والتناغم والانسجام إلا حياة ولا أروع “الأرض لنا وأنت أخي فلماذا إذن تخاصمني، أنا لا أسمع وأنت لا ترى، وبنا نزعة ليدرك بعضنا الآخر”.

فهل من متعة لرؤية حدائق ورد غناء تحمل ذات اللون!! التعددية سمة الكون {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات 13) ما معناه أن لغة التسامح والمحبة والتعاون المشترك في البناء، هي المخرج، فالنمل في جحورها تعمل وسط مجتمع كامل يتكامل الأدوار فليتنا نتعلم؟ بدلاً من تبني فكر الانتقاص والإقصاء لكل ما هو خارج عنا.

وهكذا دواليك نظل مغيبين، ندور في رحى العقلية الجاهلية الغارقة في الكبرياء الواهمة، فالتصوير النمطي للآخر والتفيئة مفاهيم سلّط عليها علم النفس الاجتماعي الضوء لتوظيف معانيها بشكل يخدم البشرية وهي مفاهيم في أصلها تشير إلى عمليات ذهنية تساعد الإنسان لتمثل عالمه الخارجي وتنظمه معرفياً (رحمة به لفهم هذا العالم المشوش). إن تواجد هذا الآخر إنما هو فرصة للتميز الفريد من خلال الدوران في فلك الآخر دون تماهي”توحد” مطلق وذوبان يطمس أناك الحرة.

نريد تلك الأنا التي تمد عنقها لتخرج من تحت عباءة الآخر لا بهدف التناحر والصراع، إنما لتصحيح مسارات لابد من تصحيحها بدءاً بالذات ذاتها، فلا ريب أن صلاح المجتمع يتأتى بصلاح أفراده.

فهذا دور يرسي هذه العلاقة بقوله “تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة وضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع ولا يعبر إلا عنه”.

فبقراءة ما يدور حولنا نجد أنه إذا ما خالف الفرد أهداف جماعته فإنه يواجه الإقصاء والإبعاد عن السرب مثله مثل طائر النورس الذي انشق عن جماعته رغبة منه بالتطوير والتحليق لمسافة أعلى؛ لكنهم رموه بالجحود والعدائية.

وإنصافا وموضوعية في الطرح لابد من الإشارة بأن التصنيف والتفيئة بهذا المعنى وعزل الفرد عن المجتمع واعتبار المجتمع شيئا خارجاً عن الفرد أمر غير مقبول، فالذات لتكتمل وتحقق وجودها لابد أن تعي مفهوم الوعي الجمعي وتحاول الانسجام معه ومع معطياته، حتى لا ينقسم الجنس البشري ونكون فصائل متناحرة مما يردينا لمرحلة أقل من الجنس الحيواني الذي أدرك حقيقة الوعي الجماعي (أو ما أطلق عليه كارل بوبر بالحس المشترك) وضل يصارع للانسجام مع نوعه حفاظا ًعلى جنسه من الانقراض كما ذهب لذلك الطبيب النفساني يحيى الرخاوي في تعاطيه مع مرضاه باستخدام العلاج الجماعي والذي خرج بنتيجة مفادها أن تصعيد الوعي الجماعي من بواعث التمتع بالصحة النفسية.

كيف لا وقد حُسم الأمر بقوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة 251) فهل من إعادة للنظر بعين الحكمة والمحبة؟

ومضة:

“إن نفساً لم يشرق الحب فيها

هي نفس لم تدر ما معناها

أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي

وبالحب قد عرفت الله “إيليا أبو ماضي”.

- مبتعثة جامعة الملك سعود للدكتوراه في علم النفس الاجتماعي - بريطانيا
 

التجاذب والتناحر بين الأنا والآخر
هيلة عبدالله السليم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة