Tuesday 01/10/2013 Issue 14978 الثلاثاء 25 ذو القعدة 1434 العدد
01-10-2013

ما أجمل الخيال!

أشعر بالشفقة نحو الذين ينفرون من الخيال.

الخيال وسيلة للهروب من الواقع. ظَل الخيال جزءاً من التاريخ البشري منذ القِدَم، ومنذ آنذاك وإلى اليوم والناس كثيراً ما يستمتعون بالعيش في عالم آخر غير الواقع الذي نعيشه، والذي قد يكون مشوباً بالملل أو الألم، فإذا توفَّرت قصة خيالية فيها أجواء من الإثارة والغموض كان هذا كفيلاً بإخراج المرء من مزاجه السيئ إلى مكانٍ أفضل يعيش فيه بعض المتعة، وهذا أبرز أسباب النجاح الضخم للأعمال الترفيهية مثل الأفلام والقصص المصورة وألعاب الفيديو، وفي العصور السابقة كانت القصص والأساطير التي تُتَناقَل شفهياً من جيل إلى جيل بالغة النجاح، حتى أنه كان هناك أناس في العصور السابقة يسمَّون القصّاصين وكانوا يجلسون في الأماكن العامة كالأسواق والطرق يقصّون القصص الخيالية ويجتمع الناس حولهم مبهورين لا يتحركون حتى تنتهي القصة. وهذا من الأساليب التي استخدمها الكفار لصد الناس عن سبيل الله، ذلك أن القرآن كان يأتي بقصص الحق من تاريخ الأمم السالفة، وأسلوب القصة كما هو معروف يشد الإنسان أكثر من الخبر المجرد، فأوكلت قريش إلى أحد القصاصين أن يحاول أن يجذب الناس بعيداً عن القرآن بأن يقص القصص، ففعل ذلك وشغلهم مؤقتاً عن رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سئم الناس قصصه الخيالية وعادوا يسمعون كلام الله ورسوله.لا أعرف الكثير من الناس ممن لا يحبون الخيال ولكن بعضهم مر علي، وهؤلاء لا يحبون إلا ما كان مطابقاً تماماً للواقع وينفر من الأعمال الأدبية والفنية التي تعتمد على الخيال أو الخيال العلمي، وتوضيحاً فإن كلمة خيال علمي تعني شيئاً يختلف عن الخيال العام، فالخيال هو قصة مُخترَعَة لكن تحكمها قوانين الطبيعة والعلم التي تحكمنا، أما الخيال العلمي فهو أن يكون هناك أفكار تقوم على التخيّل مثل العِلم والتقنيات المستقبلية والسفر عبر الفضاء والأكوان المتعددة والقدرات فوق البشرية والكائنات الفضائية وكل ما دار في فلك هذا، وهذه ليست بالضرورة أن تكون مصورة تصويراً إيجابياً بل الكثير من أعمال الخيال العلمي تَغلب عليها السوداوية، كأن تدور القصة في عالم يحكمه الرجال الآليون الذين يريدون الموت للبشر أو يُسخّرونهم للعمل القاسي، أو كعالَم طور البشر فيه أسلحتهم حتى تَدمّر كوكب الأرض وصارت القصة تدور إما على أطلال الأرض أو على كوكب آخر، ويريد كاتب الخيال العلمي أن يستكشف ما هي عواقب أو نتائج التطورات العلمية التي نعيشها اليوم وكيستؤثر على أجيال المستقبل.

الخيال العلمي اليوم شديد الانتشار وبالغ النجاح في الأفلام والروايات وبرامج التلفاز، لكن الكثير يجهل أن العرب هم أول من بدأ كتابة الخيال العلمي! كان ذلك على يد الطبيب المعروف ابن النفيس وهو أيضاً عالِم وله إسهامات في الطب ما زالت تُذكَر إلى اليوم، كَتَب روايته في القرن السابع الهجري وسمّاها «فاضل بن ناطق» ويتكلم فيها عن إنسان لا يولد طبيعياً وإنما يتشكل من الماء في كهف، ثم يروي رحلة هذا الإنسان في الحياة وكيف يتعامل مع بيئته وكيف يصل في النهاية إلى معرفة وجود الخالق سبحانه.

الخيال جميل، ويجب أن لا ننسى أن لنا دوراً أساسياً فيه!

Twitter: @i_alammar

 
مقالات أخرى للكاتب