Saturday 05/10/2013 Issue 14982 السبت 29 ذو الحجة 1434 العدد
05-10-2013

حوار مع صديق ثري

التقيت بعد انقطاع بصديقي الذي يملك ثروة كبيرة وعلامات الضيق والكآبة تبدو عليه فدار بيني وبينه حواراً بدأه بالسؤال الآتي:

* ما رأيك يا أخي في هذه الحياة؟

- فقلت له بأن الحياة مؤقتة وقصيرة وليست محلاً للخلود والديمومة والحياة الحقيقية هي التي حدثنا عنها كتاب الله الكريم.

* ثم سألني هل يعني ذلك أن نعتكف في المساجد وأن نتوقف عن العمل وألا نجمع المال ونكوَّن الثروات؟

- فأجبته بالعكس ديننا يحث على العمل وعلى عمارة الكون وعلى اقتناء الأموال ولكن ليس على حساب المبادئ أو على حساب السبب الحقيقي لوجودنا {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا* وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} الآية (46) من سورة (الكهف) وفي الذكر الحكيم ايضاً {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} الآية (286) من سورة ( البقرة).

وفي السنة النبوية (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً) رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فالعبادة في ديننا الحنيف ليست الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج فقط بل تشمل كل أعمال الخير القولية والعملية ومن ذلك مثلاً: إفشاء السلام يعتبر عباده قولية قد تؤدي إلى دخول الجنة وإزالة الأذى عن الطريق يعتبر عباده عملية وهكذا.

* ثم سألني ماذا تقصد بالمبادئ التي يتم على أساسها جمع المال؟

- فأجبته بأن اكتساب المال يجب أن يتم بطرق مشروعة وهذه الطرق المشروعة هي التي تتمشى مع أحكام الشريعة ومع الأنظمة الحكومية التي صدرت من ولي الأمر، أما عن إنفاق المال فإن الإنسان الذي أنعم الله عليه بالمال الوفير ينبغي أن ينهج القاعدة التي حددها القرآن الكريم في قوله: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} الآية (29) من سورة ( الإسراء) فلا يكون بخيلاً أو شحيحاً في الإنفاق على نفسه وأسرته، وأن يكون للمحتاجين من أسرته ومجتمعه مما أفاء الله إليه نصيب مقنع لهم وأن يكون له مساهمات فاعلة في الأعمال الخيرية، وفي نفس الوقت لا يكون مبذراً لماله بدون أسباب موضوعية بأن يصرف أمواله في أمور محرمة أو أمور غير جدية.

فلما رأيت صديقي قد توقف عن الأسئلة بادرته بالسؤال التالي:

* ولكن ما هو سبب كآبتك يا أخي وكأنك متضايق من شيء ما؟

- أجابني دعني أصارحك خاصة بعد حديثك الذي لامس معاناتي ووضع الأصبع على جرحي، إن لدي المال الكثير كما تعرف ولكن هذا المال أصبح سبباً لشقائي وليس لسعادتي فأنا أعطي هذا المال كل اهتمامي على حساب نفسي وصحتي وأسرتي بل مع الأسف على حساب التزاماتي الدينية فأنا منذ حوالي أسبوع مثلاً وأنا أعيش في ضيق وتعاسة بسبب تأخر وصول بضاعة لي من الخارج مع أنه يوجد عندي أضعاف أضعاف قيمتها، بل الأمر الأهم في ذلك أنني مقصر في حق الله في هذا المال فأنا لست منتظماً في إخراج الزكاة وإذا أخرجتها أتحسر وأتألم بأن جزءاً من مالي قد فُقِد مني.

كما أنني مقصر في حق نفسي وأسرتي بدليل سيارتي القديمة ومنزلي المتواضع كما أنني مقصر في حق أقاربي وأصدقائي خاصة المحتاجين منهم فأنا أعتذر فوراً عن أي طلب سُلفَة من أي منهم مع أنه يجب علي مساعدتهم من تلقاء نفسي وكل ذلك يا أخي بسبب حبي الشديد لجمع المال وعدم إنفاقه وصدق الله العظيم {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} الآية (20) من سورة (الفجر) فبما تنصحني يا صديقي العزيز؟

* وقبل أن أقوم بإجابة سألته عن كيفية علاقته بالله وبالناس؟

- أجابني بأن لديه تقصير كبير في حق الله فبالرغم أنه محافظ على الصلاة لكنه ليس منتظماً في أدائها جماعة فهو أحياناً يؤديها منفرداً وأحياناً يؤديها خارج وقتها مع أن الصلاة هي الركن الأساسي والأهم في الإسلام أما الزكاة فقد سبق له إيضاح تقصيره في أدائها في إجابة سابقة.

أما بالنسبة لعلاقته بالناس فقال: إنها محدودة جداً لأن الناس في الغالب يعتمدون في بناء الصداقات على المصالح وفي ضوء ما يعنيه المثل الشعبي: (الصديق وقت الضيق) وهو شخصياً لا يطبق هذا المثل على الإطلاق، ولذلك فإن الناس ينفرون منه ولا يرغبون في إقامة صداقه معه.

وأما عن طلب هذا الصديق المساعدة في الخروج من مشكلته فيمكن أن يقال له إن المال في الأساس هو لله عز وجل والإنسان مُستخلَف فيه، والمستخلف في شيء معين يجب أن يكون عمله وتصرفاته في حدود ما يحقق رضاء المُستَخلِف ومن ذلك بالنسبة للمال ما يلي:

*أن يكون مصدر اكتساب المال مشروعاً بألا يكون قد تم الحصول عليه بطرق غير مشروعة كالربا والاختلاس وغسل الأموال ونحوها.

- أن يكون وسطياً في الإنفاق بحيث لا يكون مسرفاً وفي نفس الوقت لا يكون شحيحاً أو بخيلاً.

- ألا يشغله المال عن طاعة الله وصلة الأرحام والاهتمام بأسرته وتربية أولاده أو القيام بواجب وطني أو اجتماعي.

- أن يكون جمعه للمال وسيلة لتحقيق الأهداف (سالفة الذكر) وليس غاية.

- ألا يتأخر في نجدة من يطلب منه المساعدة من أقاربه وأصدقائه خاصة بعد التأكد من مصداقية المطالبة.

- ألا ينفق المال الذي وهبه الله له في معصية الله.

- أن يؤدي حق الله في المال وأن يخصص جزءاً منه للفقراء والمحتاجين.

- ألا ينسى نفسه من هذا المال بأن يوقف لنفسه ولوالديه صدقة جارية يعود عليه وعلى والديه ثوابها يوم لا ينفع مال ولا بنون.

- ألا يتعامل مع الناس البسطاء أو الفقراء على أنه إنسان ثري بل عليه أن يتحلى بالتواضع وحسن الخلق فأغلب أتباع الأنبياء الذين سيرافقونهم في الفردوس الأعلى من الجنة هم من الطبقة الفقيرة.

info@alsunidi.com.sa

حائل

 
مقالات أخرى للكاتب