Tuesday 08/10/2013 Issue 14985 الثلاثاء 03 ذو الحجة 1434 العدد
08-10-2013

الفترة القيّمة بين الحافز والرد

قال أحد الحكماء: بين الحافز وبين ردة الفعل هناك فراغ، وفي هذا الفراغ لنا الحرية والقدرة أن نختار ردة فعلنا. إنَّ في ردّنا هذا سعادتنا ونموّ شخصياتنا.

لا يُعرَف قائل هذه المقولة لكنها من أفضل ما قرأت، وهي تنطبق على كل إنسان لو تمعّن فيها قليلاً. كلمة «حافز» تعني الظروف والعوامل التي تؤثر على الإنسان، فإذا أصاب ثوبك قهوة فهذا حافز، وإذا أساء لك شخص فهذا حافز، وإذا سمعت خبراً مُسعِداً فهذا حافز، والحافز له ردة فعل، فردة الفعل في الحافز الأول في العادة هي أن يتسخّط الشخص من اتّساخ ملابسه النظيفة، وفي الحافز الثاني فإن الغضب والألم هي ردة الفعل المتوقعة، وهكذا.

تكمن المشكلة في نوع ردة الفعل التي تَصدر من الشخص، فالكثير من المشكلات بين الناس تأتي من التصرف الفوري وردة فعل سريعة بدون استغلال الفراغ الذي بين الاثنين الذي أشارت له الحكمة التي في صدر هذه المقالة، فمن يسمع كلمة جارحة من شخص فإنه غير مُجبَر أن يستجيب فوراً وأن يرد بأقسى رد، وإنما بين تلك الكلمة وبين ردك فراغ يَحسُن استغلاله، والذي يجب فعله هو التفكير أولاً في الكلمة ثم في رد الفعل المناسب، فبدلاً من أن يبدأ الشخص بالغضب والشتم فلديه فرصة أن يفكر ويقول: لماذا قال لي هذا الشخص هذه الكلمة؟ هل كان يقصدني؟ هل سمعتُ الكلمة بشكلٍ صحيح؟ هل أسأتُ لهذا الشخص من قبل؟ وهكذا.

هناك الكثير من الأسئلة التي يجدر بالشخص أن يسألها وأن يفكّر فيها قبل أن يُصدِر ردة فعله، ولا خوف عليك فسيكون هناك دائماً متسع من الوقت لإصدار ردة فعل ولستَ في سباق مع الزمن إلا نادراً، وكم حَصَلَت من طوامّ لا تُعكَس ومشائن لا تُطمَس بسبب هذا، ومن المواقف التي حصلت لمعظم الناس هي أن يسمع من شخصٍ كلمة مُغضِبة، فيرد فوراً بشكلٍ قاسٍ وجارح يتناسب مع سوء الكلمة وحتى أقسى من ذلك، فيكتشف أن الكلمة لم تكن له، أو أنه لم يسمعها بشكلٍ صحيح ولم تكُ شتيمة، أو أنه فسّرها بشكلٍ مغلوط وكان قائلها يقصد شيئاً آخر، حينها لا ينفع الندم إذا كان في ردة الفعل اعتداء باليد أو باللسان، والكثير من جرائم القتل أتت لأن القاتل استجاب فوراً لغضبه ولم يستغل ذلك الفراغ ذا القيمة التي لا تُقدّر بثمن؛ الفراغ الذي بين الحافز وبين ردة الفعل، لو أنه استغله بحكمة لما ذهبت حياة فلان في ساحة القصاص، ولما فسدت العلاقة بين علان وبين صديقه بسبب كلمة، ولظل فلان وفلانة متزوّجين ولم تخرُج كلمة الطلاق بسبب انفعالٍ فوري لم ينظُر للفراغ الذي بين الحافز وبين ردة الفعل، ولو عدّدنا المواقف التي يفيدنا فيها التريّث والتفكير قبل إصدار ردة الفعل لما انتهينا.

إن المساحة التي تتبع الظروف والحوافز والعوامل مساحة ثمينة جداً وفيها يكمن الفرق بين الألم والتعاسة والندم وبين الحكمة والسعادة والنُّضج، فلنستغل هذا الفراغ ونجبر أنفسنا على أن نتروّى أثناءه.

Twitter: @i_alammar

 
مقالات أخرى للكاتب