Saturday 12/10/2013 Issue 14989 السبت 07 ذو الحجة 1434 العدد
12-10-2013

انشطار الأحكام القيمية

لتوضيح ما أقصد بانشطار الأحكام القيمية سأورد مثالين؛ أحدهما القصة التي أوردتها فوزية البكر عن فاطمة والممرضة الفلبينية، التي سردت للأولى ملاحظاتها عن عدم ابتسام الناس لها في الشارع، أو إلقاء التحية، أو الرد عليها؛ بل عن ملاحقة رجال الأمن لها لأنها ركضت في الحديقة. لم تفهم الموقف حتى جاء من يتحدث معها بالإنجليزية، لتفهم أن الركض ممنوع على السيدات. وتقول: لم أظن أن المسألة تصل إلى هذه الدرجة.. لا سينما.. لا مسرح.. لا رياضة.. لا ركض في الشارع. والأسوأ من ذلك نظرات الاشتباه التي تواجهين بها في كل مكان تذهبين إليه؛ في كل مرة أصادف رجل شرطة أضع يدي في حقيبتي على استعداد لإخراج الإقامة فور طلبه، ولست أدري هل لأنني أجنبية.. إنه بلد غير مرحب بالمرة. وتعلق الكاتبة على الموقف بأن أولئك المتجهمين لو قُدّر لهم أن يدعو هؤلاء الأغراب لطعام العشاء في المنزل، لملأوا المائدة بما لذّ وطاب من ألوان الطعام.. فهل هذا هو الترحيب؟ أم أنه تناقض في القيم التي يبدو أننا ابتلينا به: نتجهم في وجوه الناس في الشارع ونذبح لهم الخرفان في المنزل.

وما يحدث في الداخل يتكرّر في الخارج عندما ينقل أبناء المجتمع منظومة القيم معهم في بعثاتهم الدراسية أو رحلاتهم السياحية. حيث ينقل عبد الله المغلوث شيئاً من الإحراج الذي أوقعه فيه زميله ومواطنه، عندما كانوا في ضيافة زميل ياباني اسمه نيشيكاوا؛ حيث ارتجل صاحبه بتصرف البيت الأول لقصيدة ابن الرومي التي هجا فيها حاجب الوزير:

وجهك يا نيشيكاوا فيه طول

وفي وجوه الكلاب طول

وحينما سأل نيشيكاوا عن معنى القصيدة أجابه بأنها تعني أن وجهك فيه ضوء لا يضاهيه سوى ضوء الشمس. لكن المضيف أدرك لاحقاً معنى البيت الحقيقي عن طريق أحد الزملاء معبّراً عن غضبه الهائل، وعاهد نفسه ألا يصادق عربياً طوال حياته. ويختم بأنه سأل مهندس بترول هولندياً تعرف عليه من خلال زيارة قام بها للسعودية استغرقت شهرين عن أبرز ما استوقفه خلال فترة وجوده بيننا، فقال: تعاملكم مع السائقين؛ حيث لا يفرق المتعامل منكم مع أحد منهم بين خطأ صغير أو كبير، ولا يقدر بعض الصغار من أفراد العائلة مدى التفاوت في العمر بينه وبين السائق الذي يقوم بتأنيبه. أما المشكلة الكبرى، فهي كامنة في الخلط بين مقومات الفضيلة الفردية، التي تعود للفرد نفسه، والحياة العامة، التي تتطلب تدخل المؤسسات للحفاظ على وحدتها، وتماسك مكوناتها. ومعلوم أن منظومة الأخلاق تدخل في إطار التربية الأسرية والموروثات الاجتماعية، أكثر من خضوعها لأنظمة المؤسسات القائمة على ضبط العلاقات بين الناس، وتطبيق القوانين ذات الصبغة المادية، والتي لا تخضع للتفسير الفردي المتباين حسب الخلفيات الثقافية، أو المواضع البيئية والزمانية.

وفي كل الحالات التي تم فيها تطبيق الأنظمة على الأحوال الفردية كانت النتائج غير مرضية؛ سواء في الأنظمة الشمولية، أو في حالات تاريخية غير طبيعية.

توجد دول أخرى، تقيم منظومتها الأخلاقية والاجتماعية بناء على أسس وقوانين مدنية يكون الدين جزءاً فيها، ويصبح للدولة دور واضح لا يزاحم المجتمع وحركة إفراده، وقد تمكنت من تجاوز الكثير من العقبات، وتقدمت على مجتمع الفضيلة على مختلف الأصعدة والميادين. وليس هذا فقط، بل إنّ منظومة العفة والفضيلة في تلك المجتمعات ظلت تمارس دورها بفاعلية وحيوية في حفظ الأمن الجنائي والأخلاقي، علاوة على احتفاظها بعاداتها وتقاليدها وقيمها الدينية والاجتماعية، وتمسكها بهويتها الوطنية والقيمية.

الرياض

 
مقالات أخرى للكاتب