Sunday 13/10/2013 Issue 14990 الأحد 08 ذو الحجة 1434 العدد
13-10-2013

استلهام الكارثة بين ملالا والباز

من يزر معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، يفاجأ بحضور لافت للفتاة الباكستانية ملالا التي نجت بأعجوبة من القتل قبل عام تقريباً، بإطلاق رصاصة على رأسها من قبل مقاتلين من طالبان، كانوا ضد تعليم النساء، حتى أصبحت خلال عام أيقونة ورمزاً لمواجهة التطرف الديني.

هذه الفتاة الصغيرة لها كتاب مؤثر يمثل تجربتها المهمة، عنوانه «أنا ملالا» ويحظى بانتباه العالم بأسره، وقد يكون أكثر أهمية وحضوراً إذا ما نالت جائزة نوبل للسلام، التي تعتبر أحد المرشحين لها بقوة، وهي إن فعلتها فستكون أصغر الفائزين بالجائزة على الإطلاق، وستسجل الجائزة باسم فتاة السادسة عشرة ربيعاً، وستصبح أحد الذين استثمروا الكارثة بامتياز، وحتى لا يذهب ذهن القارئ بعيداً، فهو استثمار مشروع، خاصة أنها كانت ناشطة فعلاً في الدفاع عن حقوق الفتيات بالتعليم، فقد كانت في الحادية عشرة حينما راسلت القسم الأوردي في (بي بي سي) وتحدثت عن الوضع المزري في قمع التعليم من قبل جماعة طالبان، حتى حدث لها في طريقها إلى المدرسة ما حدث من إطلاق نار، بعدما سأل المهاجمون عن اسمها، وتأكدوا أنها المقصودة.

هذه الفتاة التي نالت حتى الآن عدداً من الجوائز الرفيعة، كانت آخرها جائزة سخاروف التي يمنحها الاتحاد الأوروبي، ورغم أنها تطرقت إلى إمكانية الحوار مع طالبان، إلا أن المتحدث باسم هؤلاء علق على نيلها للجائزة بقوله: لم تفعل شيئاً، أعداء الإسلام منحوها الجائزة لأنها تخلت عن الديانة الإسلامية واعتنقت العلمانية.

طبعاً حينما قال لم تفعل شيئاً، قصد أن نجاتها من الموت والرصاص لا يعتبر شيئاً، فالحياة لا شيء في تقدير هؤلاء، بل الإنسان لا شيء في معتقداتهم، ولعل الأسوأ هو إصرار هؤلاء، حسب قوله، بأنهم سيستهدفونها سواء كانت في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة.

ولعل الأجمل أن هذه الفتاة قالت عن ترشيحها لنوبل: كثيرون يستحقون جائزة نوبل للسلام، أعتقد أنني ما أزال أستطيع القيام بالمزيد، برأيي لم أنجز الكثير كي أفوز بجائزة نوبل للسلام. فهذه الفتاة تدرك العمل الإنساني الذي تقوم وتناضل لأجله، وأنها في الخطوات الأولى، وهناك من يرى أن حصولها على الجائزة في هذه السن المبكرة قد يضر بتجربتها ونشاطها القادم.

وقد يتساءل المرء، لو كانت ما زالت تكتب في مدونتها وتراسل البي بي سي، وتذهب بعناد إلى مدرستها، ولم تتعرض إلى محاولة الاغتيال الفاشلة، هل ستحقق كل هذه الشهرة، وكل هذا المجد؟ أم ستبقى ضمن مئات، وربما آلاف المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم..؟.

أحياناً ينهض الإنسان من عمق الكارثة، بعد أن يتجاوزها، فإما أن ينجح ويصبح رمزاً عالمياً مهماً، أو يطويه التاريخ كما حدث مع المذيعة السعودية رانيا الباز التي تعرضت للضرب من قبل زوجها، ففي الأولى جاءت ملالا من منطقة وعي وإيمان بقيمة التعليم للمرأة في الدول النامية، وكادت أن تفقد حياتها لأجل ذلك، لكن الثانية كانت الباز لا تختلف عن مئات، وربما آلاف النساء اللاتي يتعرضن لضرب الأزواج في العالم، حتى في أوروبا وأمريكا، بمعنى أنها لم تكن ناشطة وتحمل رسالة، لذلك ذهب كتابها إلى النسيان، بينما سيبقى كتاب ملالا الصغيرة واسمها وإيمانها بحقوق الفتيات في التعليم والحياة الحرة الكريمة.

 
مقالات أخرى للكاتب