Tuesday 15/10/2013 Issue 14992 الثلاثاء 10 ذو الحجة 1434 العدد
15-10-2013

(تعزية)

بصدور يملؤها الحزن والأسى، وقلوبٍ راضية بقضاء الله وقدره نتقدم بأحرِّ التعازي وصادق المواساة لأبناء هذا الوطن بوفاة (رياضة وطن) بعد معاناة طويلة مع أمراض عدَّة كالجهل والتعصب والانتهازية المقيتة، التي جعلت من آمالنا وتطلعاتنا لمستقبلها تقتل في مهدها.

في حين أن الراحلة لم تكن تنادي طوال حياتها القصيرة بشيء سوى المحبة والتآلف والتآخي، صارخة في أوقات متفرِّقة: (أليس في وطني رجل رشيد يحميني من عبث العابثين؟ أليس في بلادي عقل حصيف يزيل عني غيوم الجهل التي تخنق في داخلي كل فرص النمو والازدهار والتقدم؟ هل من عاقل يعرف سبب وجودي والهدف من وراء ولادتي؟).

وبالرغم من كل هذه الصرخات التي تقتحم الأفئدة قبل المسامع، لم تقابل الراحلة إلا بمزيد من الجحود ومزيد من النكران. وبدلاً من إعانتها، استخدمت كأداة حرب، وسلاح تفرقة تتقاذفها أطراف لا تستطيع النظر إلى ما هو أبعد من قدميها.

وإذ نحن نتقدم بهذه التعزية، نقوم بالنظر حولنا باحثين عمّن يستطيع سد مكان هذه الراحلة فلا نجد. أعاننا الله وإياكم على الصبر على هذا الفقد الكبير. و»إنا لله وإنا إليه راجعون».

هي مسألة وقت لا أكثر، لنطالع مثل هذه الأطروحات التي تنعى ما كان يسمى لدينا بـ(رياضة وطن). فالتأجيج الحاصل حاليًّا في الساحة الرياضيَّة بكافة قنواتها الإعلاميَّة أو الجماهيرية أو حتَّى الرسمية سيوصلنا لا محالة لنتيجة بديهية صرفة مفادها: لِمَ تستمر الرياضة لدينا؟. فبعد أن كانت الرياضة مدرسة لتهذيب النَّفْس والأخلاق وزرع حب المنافسة، أصبحت مجالاً لكل ما سيء في أعرافنا الدينيَّة والأخلاقيَّة والاجتماعيَّة. فأصبحنا بلا وعي نلبس كل التصرَّفات المرفوضة شرعًا وعقلاً ثيابًا من الشرعية الخادعة لنمارس ما لا يمكننا ممارسته في أيّ مجال آخر من مجالات الحياة. فالدسائس والمؤامرات أصبحت ذكاءً إستراتيجيًا، والقذف والتبلّي والتشكيك في الآخرين أصبح ضربة استباقية، وغضّ الطرف عن الأخطاء الشخصيَّة والتشهير والتصعيد بأخطاء المقابل أصبح دفاعًا عن الحقوق وحفظًا للمكتسبات!!

ما هذه الرياضة التي تغرس في عقل كل منتسب لها، أن الغاية التافهة تبررها الوسيلة الدنيئة؟ ما هذه الرياضة التي جعلت من صاحب الصوت الأعلى والعقل الأجوف متصدرًا للمشهد الرياضي بل مفتيًا وخبيرًا في التفرقة ما بين الصواب والخطأ؟ إنفلات أخلاقي خطير على كلّ الأصعدة بلا وعي أو استشراف لمستقبل سيولد من رحم كل هذه الصراعات التي يحاول أطرافها كسب دور البطولة فيها بلا احتساب للعواقب التي لا بد أن تكون وخيمة.

مع كل خبر إضافي، أو تصريح قانوني، أو تعليق إعلامي عن موضوع لقاء الهلال والاتحاد الماضي يتزايد عندي الخوف والقلق على مصير الجماهير التي ستقوم بحضور اللقاء القادم في الشرائع. فهم وبكل بساطة، سيدفعون ثمن كل هذا التجييش والكراهية التي تتزايد في نفوس شباب يرون في ميولهم وأنديتهم هويةً وشرفًا يجب الدفاع عنه ولو بالدم!

نعم بالدم، ولست أقولها مبالغًا، فالطريق الذي ننتهجه حاليًّا لن يوصلنا إلا لهذا. والأيام كفيلة بتأكيد ما ذهبت إليه، داعيًا الله أن نقوم بفعلٍ حقيقي يقينا شرور ما نخشاه.

بقايا..

- (خبرتي في الإعلام تزيد عن عقدين من الزمن)! وماذا أنتجت هذه الخبرة؟ ما الذي قدمته للرياضة من بحوث ودراسات وتطوير؟ ألا يعلم هذا الخبير الفذ أن الوقوف عند الخطوة الأولى لعشرين عامًا مدعاة للخجل لا الفخر؟

- مضحك مبكٍ أن نراقب حربًا شعواء ونحن نعلم أن كل أطرافها في النهاية خاسرون.

- أحاول أن استرجع النماذج أو المواقف المضيئة التي مرَّت على رياضتنا، فأجدها دومًا في حكم (الشاذ عن القاعدة). للأسف!

- للشباب عقول تشكلها النماذج، وللنماذج خبرات تراكمية تخوّلها الحصول على صدارة المشهد. فهنيئًا لنماذج خاوية تشكّل عقولاً خاوية.

خاتمة..

إن أعجب لشيء، فعجبي لرجالٍ تنمو أجسادهم وتصغر عقولهم.

(الأحنف بن قيس)

Twitter: @guss911

 
مقالات أخرى للكاتب