Wednesday 16/10/2013 Issue 14993 الاربعاء 11 ذو الحجة 1434 العدد
16-10-2013

فما أطال النوم عمراً ولا قصَّر في الأعمار طول السهر (يا ساهر)

هذا الساهر الذي ينام ولا ينام، لأن الذي لا ينام هو رب العباد سبحانه وتعالى. ساهر اسم على غير مسمى، فلم أر في حياتي ساهرا بالنهار ولكنني أرى متربصا ومتصيدا ومتوثبا ونورا لامعا بالنهار، وساطعا بالليل. قيل عنه ما قيل. وكتب عنه ما كتب. واتهم بما اتهم.

وصاد من صاد ولا يزال الصيد وفيرا. ويزداد يوما بعد يوم. ليس لأن بعضهم لم يرعو فحسب ولم يخف من سطوة ساهر على جيبه، أو لم يشعر بقوة التأثير على الجيب بعد، ولكن لأن كل يوم ينضم عشرات إن لم يكن مئات السيارات وقائدي مركبات جدد إلى حلبة الحياة وطاحونة قيادة السيارات ومصيدة ساهر. هؤلاء المستجدون هم الفريسة الأسهل لساهر. قد يكون ساهر يحلم أو يتمنى أن تقتحم المرأة ميدان قيادة السيارات ليكون الصيد أوفر.

أنا بالطبع من المباركين لفكرة ساهر لأن هدفها الظاهر نبيل وهو العمل بما هو متاح لإنقاذ أرواح آلاف البشر وربنا يكفينا شر ما في الغيب. وأحسب أن ساهر نجح إلى حد ما في ذلك دون أن أتلمس إحصائيات منشورة ومؤكدة. لا زلت مستمرا في تأييده رغم أنه سطا على مالي وبالقانون وكلفني مبالغ كثيرة.

العبد الفقير إلى الله امتلك سيارة جديدة منذ بدء ساهر تقريبا. وهذه السيارة بها عداد سرعة يصل إلى 260كم. يعني أن السرعة يمكن أن تصل إلى 260 كم في الساعة لمن يود معرفة هل بالإمكان أن تطير السيارة!!!!. وأصبح لديه ميل إلى السرعة حيث جاء هذا الميل في وقت متأخر من العمر. حقيقة الأمر أنني عندما أقفل زجاج السيارة وأدير جهاز التكييف وتدور عجلات السيارة على طريق جميل، فإن رجلي التي منحني الله إياها تميل إلى الكبر في الحجم والثقل النسبي، ولذلك فهي تضغط على البنزين في غفلة من نظري وفكري وتفكيري إلى أن تتجاوز السرعة (120 كم) في الساعة. يا فرحتك يا ساهر. يصطادني ساهر بشعاع كمرته. أرتبك قليلا وأستعيد توازني وأتمتم بكلمات غير مفهومة وأختمها بالبسملة أحيانا، ولكنني أتراجع عما قلته لأقول لنفسي بأنني استاهل، أي أستحق ما حل بنفسيتي وبجيبي. وتكرر هذا زوجتي التي ترافقني في كل رحلة تقريبا كلمة تستاهل متبعة ذلك بأيمان غليظة بأنني مخطئ، وتذكرني بأنها حذرتني من السرعة. ورغم أنني أعض على أسناني كمدا، إلا أنني لا أملك في نهاية الأمر إلا أن أبتسم ابتسامة عدم الرضا عن ساهر وبشكل أكبرعن نفسي.

أنا من يسافر كثيرا على طريق الدمام - الرياض وهو طويل نسبي، والمتربصون بي وبكل السائرين عليه كثر من الجانبين من الموالين لساهر. أعلن مع زوجتي الطوارئ. ونتعاهد بأن نراقب الطريق بشكل جيد، وبأنني سأحاول الالتزام بالسرعة المحددة. ولكن هيهات أن نخدع ساهر بالمراقبة. ما نلبث أن نتجاذب أطراف الحديث في أمور الحياة فيما سلف ودلف وفيما يمكن أن يأتي ويفاجئنا ساهر بسطوع ضوئه ويعود الارتباك والحيرة والهمهمة مرة أخرى.

ألوم نفسي كما يلوم الكثيرون أنفسهم ممن وقع في شباك ومصيدة ساهر مرة أخرى، وأقول لها، أنا متعلم وقد بلغت سن الحكمة (40) وأزيد بالنصف، وها أنا أؤيد فكرة ساهر فلماذا أسرع وقد أتسبب في ضرر كبير على نفسي والآخرين.

في اعتقادي أن الإجابة تتلخص فيما يلي:

أولا: ينطلق السائق من موقع كانت السرعة فيه لا تتجاوز(100) كم أو أقل، ليجد طريقا براحا ممتدا باستقامة تسر النظر فيطلق عجلات سيارته للريح. ثانيا: يواجه السائق الذي يود الانتقال بين مدن متباعدة مسافات طويلة فيتعرض لضغط المسافة مما يزيد نهمه لزيادة السرعة، وفي نفس الوقت لا يوجد على الطرق الطويلة استراحات مهيأة وجاذبة لقضاء وقت جميل والاستمتاع بالقيادة في الطريق ويعتبر الأمر أشبه بالنزهة. ثالثا: أصبحت أي سيارة من أي نوع عندما تشم رائحة البنزين فإنها تنهب المسافة نهبا دون أن يشعر قائد المركبة. رابعا: إن عداد السرعة في أغلب المركبات (260) كم، مما يتبادر إلى ذهن قائد المركبة القول بأنها طالما وجدت هذه السرعة، فإن سرعة (120) كم في الساعة تمثل اقل من النصف وربما لا خطر على السيارة في حال تم تجاوز هذه السرعة وهو في يقظة تامة.

خامسا: تمنية النفس بامكانية مراقبة ساهر مراقبة جيدة واستنفار حاسة البصر والفراسة والخبرة بأماكن التواجد (سامحه الله يغير مواقع تواجده) وبالتالي تجنب الوقوع في شباكه.

سادسا: الثقة الزائدة في النفس بحسن التصرف وتجنب المواقف الخطرة التي قد تقود إلى حوادث.

سابعا: حديث العقل الباطن بأن ساهر لم يوجد لحماية الناس بالدرجة الأولى وإنما بالدرجة الثانية. وسبب هذا الحديث والشعورما يلي: ارتفاع قيمة المخالفات وهذا يعني الرغبة في زيادة الغلة ومصدر الدخل.

خداع ساهر لقائدي المركبات وذلك بالمباعدة بين مواقع كمرات ساهر على الطريق الطويلة، بحيث يخلد قائد المركبة إلى الاطمئنان ومن ثم يصبح صيدا سهلا.

لا عقاب لمتجاوزي السرعة سوى المبالغ المالية التي تؤخذ وتودع في الخزينة المخصصة لذلك، وليس هناك معرفة ولا قناعة إلى أين تذهب هذه المبالغ. هل إلى شركة أم إلى المرور أم إلى الشركة والمرور. مما يرسخ القول بأن الهدف يميل أكثر إلى جمع المال وليس للحفاظ على ارواح الناس.

ولعلني هنا أقترح ما يلي لتفعيل دور ساهر في الحفاظ على أرواح الناس بإرادة الله وتقليل الحوادث والوفايا والاصابات وذلك على النحو التالي:

* إجراء دراسة مستفيضة بعد هذه المدة (3) سنوات على ما أعتقد منذ أن طبق ساهر. بحيث تتم الدراسة من قبل إحدى الجامعات في كل منطقة، وأن يمول هذا البحث من قبل ساهر ويصرف عليه بسخاء. وإذا لم يكن من قبل ساهر، فليكن من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لتقييم ساهر وتحليل إحصائي دقيق للحوادث وأسبابها مع إجراء مقارنات لما قبل ساهر.

* أن يكون هناك إجراء مصاحب للمخالفة كأن يكون إنذار أول وثاني وثالث ومن بعد ذلك محاكمة؟ وأن تكون تلك الانذارات لمن يتجاوز السرعة بعشرين كم، أما من يتجاوزها بأربعين كم فليكن إنذارين ومحاكمة.

* يكون الحكم متنوعا بحيث يتمثل في المرة الأولى في أن يقدم المخالف خدمات للمجتمع وإذا تكرر الأمر يدفع مبلغا ماليا إضافيا، وإذا تكرر مرة ثالثة سجن لمدة محددة، وإذا تكرر مرة رابعة فسحب للرخصة لعدة أشهر لا يقود فيها السيارة. وإذا تكرر للمرة الخامسة فسحب لمدة عام. وإذا تكرر بعد ذلك فمنع من القيادة لمدد أطول قد تصل للمنع الدائم.المهم ألا يكون التطبيق بأثر رجعي لأنني وكثيرين مثلي سنمر على كل هذه العقوبات!!!!!!

* رفع زيادة السرعة في الداخل والخارج إلى (10) كم لأن هذه السرعة لم تتغير منذ زمن رغم تحسن الطرق والمركبات.

* أن يكون هناك توعية وشفافية حول ساهر تستهدف فيه المدارس والجامعات ولو وجد موقع الكتروني للمرور وساهر تضمن أنظمة المرور وساهر والجديد والمستجد فسيساعد ذلك كثيرا.

* أظل أعتبر ساهر يهدف إلى التخفيف من ضحايا الحوادث وأن الهدف إنساني، ولذا لعله من الممكن التفكير في آلية وتقنية غير آلية ساهر تكون متواجدة في السيارة ومربوطة بغرفة عمليات تنبه السائق قبل الوصول للسرعة المحددة. ويكون الاشتراك فيها برسم معين. من المؤكد أن هذا الاشتراك السنوي سيكون اقل مما يقتطعه ساهر من جيوب السائقين.

* يمكن أن تكون غرفة العمليات قمرا اصطناعيا يغطي المملكة ويكون مرتبطا بجهاز في كل سيارة، حيث لم يصبح جهاز صوت عداد السرعة ينفع لأنه لا ينذر إلا بعد خراب مالطة ونيل ساهر مبتغاه. وتظل ما شدت به أم كلثوم رحمها الله حاضرا (فما أطال النوم عمرا وما قصر في الأعمار طول السهر).

حفظنا الله وإياكم من شر حوادث الطرق ومن كل شر ونفع بساهر.

Dr.abdullahalzahrani@yahoo.com

 
مقالات أخرى للكاتب