Friday 18/10/2013 Issue 14995 الجمعة 13 ذو الحجة 1434 العدد
18-10-2013

أخطاء الهيئة .. بين التقويم والتهييج!

عندما يؤكد معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، في برنامج “يا هلا” التلفزيوني في قناة “روتانا خليجية”، رداً على تجاوزات بعض الأعضاء، بـ: “أننا لسنا ملائكة، وأي جهاز تحدث فيه أخطاء، لكن التهم تكال عشوائيا على الهيئة”، لافتا إلى أن اتهام الناس للهيئة “طبيعي”، وأنه “ليس من

المنطق، أن يكون المذنب راضياً عمن يحاول تطبيق القانون عليه”، فهذه شهادة كافية من معاليه، بأنه لا يمكن أبداً أن نقول: إن الهيئة جهاز كامل. كما لا يمكن أن يقال: إن الهيئة جهاز ليس به أخطاء، لكن الموقف الصحيح هو: محاسبة أي جهاز للدولة، وتبصيره بما يتبين من أخطاء، ومن ذلك جهاز هيئة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. مع ضرورة الوقوف ضد من يختط سياسة التشهير، دون نظرة موضوعية، أو منهجية علمية، والتي قد ينتهجها البعض في تعامله مع الأخطاء الصادرة من عناصر جهاز الهيئة، أو تعمد تكبير، وتضخيم هذه الأخطاء، في خطوة مجافية للموضوعية، والعدل الذي أُمرنا بقول الله تعالى: {وإذا قلتم فاعدلوا}.

بل ما أعلمه في هذه المؤسسة، هو أن جهات تحقيق داخل جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل المساءلة، حتى وإن كان الخطأ غير مقصود. ولا شك أن جهازاً يتعامل على أرض الواقع، ومع شريحة كبيرة من شرائح المجتمع، وهو الذي يضم الكثير من الموظفين المنتسبين إليه، فإن افتراض حتمية وقوع أخطاء من بعضهم، أمر وارد، فهم في نهاية المطاف بشر، معرضون للصواب، كما أنهم معرضون للخطأ، وبالتالي فإن لم يقتنع صاحب الحق بنتائج تلك الإجراءات، فلا يُمكن منعه من مواصلة تظلمه للجهات القضائية.

ما أود أن أوصله لمعالي الرئيس، هو أنه قد تتغير وسائل الضبط للسلوك، والتوجيه، وتنمية الأنماط الإيجابية، ومعالجة الأنماط السلبية لكن دون أن يتغير المنطلق، باعتبار دورها التكاملي في المجتمع، وتكوينه. فإرشاد الناس، وتوجيههم لفعل الخيرات، واجتناب المنكرات، من حيث كونه ركناً أساساً من أركان هذه الشعيرة العظيمة، سيحقق بلا شك الأمن الشامل، والاستقرار، وذلك من خلال الإجراءات الوقائية لمنع الجريمة، وإجراءات مكافحتها، والتدابير التي تتخذ لمنع الجريمة.

وحتى نتجاوز الثغرات التي يجب التوصية بالحذر منها يا معالي الرئيس، فإن المصلحة تقتضي ممارسة هذه الشعيرة، بمعايير ضوابط الشرع، وليس بالأهواء، أو الرغبة في إحراج الجهات الرسمية، وخرق هيبتها، أو إيقاع المجتمع في تفرقة، وشتات. وهذا المنهج هو ما استدركه أهل العلم في هذا الباب، عندما نصّوا على وجوب تغيير المنكر، لكن بعد علم بالأحكام الشرعية، ويُرفع الأمر حينئذ إلى المحتسب، الذي فُوضت إليه الصلاحيات. فالأساليب قد تتطور بحسب مقتضيات العصر، بتغير الزمان، وتغير المكان، وتختلف باختلافهما، مع أن المنهج لا يتغير، وذلك وفق المنهج القرآني: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.

وبالتالي، فإن العمل على اتخاذ القرارات المصيرية، من جهة تبيين حقيقة المنكر الشرعي، الثابت إنكاره بنصوص الشرع المحكمة، أو قواعده القاطعة، التي دلّ عليها استقراء جزئيات الشريعة، إضافة إلى بيان الأمور المتعلقة بالمصالح العامة، والتي تنضبط في نهاية المطاف بقواعد الشرع، أصبح مطلباً مشروعاً؛ من أجل الخروج برأي محكم، بعيدا عن الخلافات، والنزاعات المفرقة؛ لتتفق مع نصوص الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح رحمهم الله، دون اللجوء إلى العنف، الذي قد يؤدي إلى فتنة في المجتمع.

كم نحن بحاجة يا معالي الرئيس، إلى أن تكون المنكرات منصوصاً عليها في النظام، فما استوجب الإنكار قُنن؛ حتى لا تبقى تقديرية للمحتسب. وإذا كانت المنكرات ليست على مستوى واحد، فإن الإنكار عليها لا يكون على مستوى واحد. ثم إن هناك فارقاً كبيراً بين الإنكار في مسائل الاجتهاد، والإنكار في مسائل الخلاف. كما أنه يجب التفريق بين المنكر اللازم، والمنكر المتعدي في الإنكار، سواء في درجة الإنكار، أو في العقوبة. ومثله، التفريق بين المنكر المتفق عليه، والمنكر المختلف فيه. ولا يعني هذا تحجيم دور المحتسبين، بل يعني تصحيح مناهجهم؛ حفظاً للشعيرة، وترسيخاً للسماحة المطلوبة.

إن من نعم الله على هذه البلاد، وجود جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأحد أجهزة الدولة الرسمية، والقيام على رعايتها له؛ لإقامة فريضة الاحتساب. وإذا كان هدف الجميع الارتقاء بالمجتمع، والمحافظة على أمنه، وسلامته، فإن أحداً لا يستطيع أن يُغفل أو يُنكر حجم الأرقام الكبيرة من انحرافات سلوكية، أو جرائم أخلاقية، تم حماية المجتمع منها عن طريق هذا الجهاز، كونه يعمل على سبيل تحقيق الإصلاح؛ لتحقيق الوعد الإلهي بالبقاء، والتمكين، ودفع العقوبات، وجلب الرحمات. ولا عجب حينئذ أن نصف هذا الجهاز بأنه: صمام الأمان، وضمير المجتمع، ومرآته الصادقة.

drsasq@gmail.com

باحث في السياسة الشرعية

 
مقالات أخرى للكاتب