Friday 18/10/2013 Issue 14995 الجمعة 13 ذو الحجة 1434 العدد
18-10-2013

التفاتة إلى المارد النائم

يظلُ الوجودُ الآسيوي والهندي على وجه الخصوص في المنطقة العربية ومنطقة دول مجلس التعاون وجوداً مميزاً بطبيعته التي لا تعبر عن نفسها بطريقة الاستياء أو التذمر اللافت لأنظار مواطني هذه المنطقة حتى وإن تغلغل هذا الوجود في عمق المجتمع الخليجي وصميم حياته، وذلك على عكس الوجود الثقافي أو البحث عن الرزق لجالياتٍ أخرى الذي كثيراً ما يكون مستفزاً عند الكثير من مواطني المنطقة ومثيراً للغيرة التي قد تتحول إلى شقاق بحكم أن المواطن الخليجي هو صاحب

الهوية والانتماء لوطنه، وعليه فهو الأجدر بكل موقعٍ فيه. علاقة العرب بالهند لم تكن علاقة حاضر ترتكز مفاصلها على الحجم الهائل للقوى العاملة في مختلف الأقطار المنضوية في إطار مجلس التعاون الخليجي بل هي علاقة ذات جذور تاريخية ضاربة في عمق الماضي فالعلوم والفلسفة والحكمة سرت في دمائهم وعروقهم يوم أن اتجه الرحالة العرب لاكتشافها والتعرف على جوانب الحياة فيها.. أمثال البيروني العالم الضليع في الرياضيات والفلك الذي كان من أكثر العلماء اهتماماً بالثقافة الهندية ودراسة تاريخها وعادات شعبها لهذا لم يكن من باب المصادفة أن تحتل الهند جزءاً مهماً في مخيلة وذاكرة الشعوب العربية عامة وشعوب منطقة الخليج العربي بشكل خاص.

في العصر الحديث من منا لم يقرأ تاريخ نضال الزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي قاد بلاده إلى الاستقلال من لوثة الاستعمار البريطاني منتهجاً في ذلك أسلوباً لا يمت إلى أسلوب الثورات والانتفاضات الذي كان سائداً في البلدان المناهضة للاستعمار.. لقد كان أسلوبه في ذلك أسلوباً سلمياً (العصيان المدني) لمقاومة الاستعمار فحصلت الهند على استقلالها على يد رجل الدولة وتلميذ المهاتما غاندي(جواهر نهرو) ومنذ ذلك الوقت أخذت الهند تشق طريقها في بناء قوتها الذاتية في عالمٍ جديد بدأ يتجه نحو التعددية القطبية.

وفي الوقت الذي بدأت فيه قوة وأهمية الغرب وعلى رأسها أمريكا في التراجع وفقدان الريادة العالمية نسبياً بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها. والتغير في موازين القوى الدولية، وكذا التدخل المتخبط في العراق وأفغانستان ثم الأزمة السورية وما تشهده من مدٍ وجزر وتردد وتباين.. ظهرت قوى اقتصادية في الشرق كالصين واليابان والهند وبرزت الهند كفاعلٍ قوي على الساحة لكونها محطة عبور لاغنى عنها على طريق الملاحة بين الشرق والغرب..إلى جانب ذلك أنه ومع بداية القرن الحادي والعشرين ظلت ممسكة بكافة المعطيات التي حددها علماء الجغرافيا والسياسة لتعريف الدولة القوية فضلاً عن أنها قوة نووية إقليمية تطمح في المستقبل المنظور للعبِ دورٍ عالميٍ أكبر.

ورغم أن الهند شهدت أوقاتا صعبة ولا تقل صعوبة وعسراً من الأوقات التي شهدتها كثير من دول العالم ورغم ما أحاطها من تهديدات سواء ببروز الصين كقوة صاعدة اقتصادياً وعسكرياً وتمثل منافساً قوياً لها فضلاً عن علاقة بكين بباكستان التي ظل نزاعها الدامي مع الهند بسبب قضية كشمير مصدراً لمصادمات وحروب عديدة..هذا إلى جانب ما تركه الاستعمار من آثار بالغة على الهند ليس فقط من حيث استنزافه للموارد الطبيعية بل والبشرية أيضاً عندما كان يقوم بتجنيد الهنود للقتال في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل مثلما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية رغم هذا كله استطاعت الهند أن تظهر على المسرح الدولي بأوسع نطاق قوية اقتصادياً.. حيوية ثقافياً.. متعددة الأعراق والأديان..لها موقع استراتيجي بالغ الأهمية.. هذا عدا أنها تتمتع بميراث ثقافي ثري.. وقوة عمل ضخمة وقدرات عسكرية ونووية ما يجعلها في وضع الاستعداد للانطلاق إلى مصاف الدول العظمى.. وهنا تبدو الحاجة ملحة كي يعيد العرب حساباتهم وينوعوا في توجهاتهم لإعادة بناء نسقٍ مستقبلي لعلاقةٍ وثيقة مع عملاقٍ أقرب إليهم تاريخياً وجغرافياً وثقافياً..فالقرن الحادي والعشرين بدأ أمريكياً وربما لا ينتصف قبل أن يكون آسيوياً.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

 
مقالات أخرى للكاتب