Saturday 19/10/2013 Issue 14996 السبت 14 ذو الحجة 1434 العدد
19-10-2013

ماذا بعد السكري!!

النخلة والعربي صديقان لا يفترقان ولكن بعد أن خذل العرب شجرتهم، فقد بدأت الدول الغربية تكرمها، بعد أن عرفت قيمتها وهاهي أمريكا تصدر التمور إلى الخليج، فهاهو المثل ينطبق علينا (كجالب التمر إلى هجر).

النخلة هي مصدر لغذاء العرب في جزيرتهم منذ غابر الأزمان تعطي في كل عام ألواناً من التمور الزاهية المختلفة الطعوم والمذاقات.. نشاهد قنوانها الزاهية التي تبدو خضراء ثم حمراء أو صفراء في فصل الصيف الحار ثم تتحوّل رطباً ذهبيّ اللون، ثم تمراً.. تمتلئ أسواقنا بإنتاجها الزاهي الوفير.. وقد أثنى الخالق سبحانه وتعالى على النخلة ما لم يثن على شجرة أخرى، قال سبحانه وتعالى واصفاً النخلة (بالشجرة الطيبة): {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (25-26) سورة إبراهيم.

وقال تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} (10) سورة ق

لو قيل لنا إنّ شركة استثمارية يمكن أن تبحث في الأراضي المالحة والسبخة وتستخرج منها أنواعاً من الحلوى اللذيذة التي هي طعام في نفس الوقت ومن مختلف الألوان والأشكال، وهذا الإنتاج يرغبه سكان العالم كله ... لاشك أنّ الشركات الاستثمارية ستقبل من كل حدب وصوب وتوظف آلاف العمال وتنقب في الأرض، بحثاً عن هذه العناصر التي تكون لها هذه الأطعمة والحلوى.. ولكن ما بالكم إذا كان خالق السماوات والأرض وفالق الحب والنوى، قد تكفّل بذلك كله وما علينا سوى وضع الحب الذي نأخذه من شجرة أخرى ونسقيه بالماء الذي أنزله الله من السماء، فيخرج لنا كل ذلك بدون جهد ولا عناء!!

النخيل لدينا ثروة قومية تناسب أجواءنا الحارة، فقد عوّضنا الله بحرارة الجو بهذه الشجرة (الطيبة) التي لا تعيش إلاّ في أجواء حارة وجافة كصحرائنا التي تنتج بكل جودة هذه التمور التي تبهر بطعمها ومذاقها كل من يفد إلينا وتصل شهرتها إلى أقاصي الأرض، أليست هذه الشجرة جديرة بالتعزيز والتكريم، أليس هذا الإنتاج جدير بالاهتمام بدلاً من أن نتركه في يد عمالة وافدة جاهلة لا تعرف قيمته (الذهبية)، وأليس من الإهانة لهذه الأشجار أن تترك في يد عمالة سائبة تعبث بها وتبيدها بالسموم!!

قبل عشرات السنين عرفت النخيل ارتبطت أسماء النخيل بأسماء من استزرعها وعرف إنتاجها وجودتها، ثم اشتهرت باسمه مثل (السكرية) التي كانت تُعرف قبل شهرتها باسم (سكرية الجمعة) وهي عائلة تسكن في (حويلان) غرب القصيم، فماذا لو لم يقم هذا الرجل من هذه العائلة باستنبات هذه النخلة، وهو لم يقم بجهد سوى وضع نواة من أحد التمرات في مزرعته الصغيرة ويلاحظ جودتها ولذّتها، والآن تضرب بشهرتها وغزارة إنتاجها وجودتها ومناسبتها للحفظ والكنز كل أنحاء العالم، وقد جزم الشيخ محمد بن ناصر العبودي بمعرفتها بعد عام 1196للهجرة، كما وردت في بعض الوثائق قبل 150 عاماً, ولم نعرف بعد السكرية أي (اكتشاف) جديد، على الرغم من أن معرفتها كانت في زمن لم تعرف فيه الآبار الارتوازية ولا المياه المتدفقة، ولكن يبدو لي أن النخلة في ذلك الزمن كانت ترتبط ارتباطاً مكانياً مع إنسان الجزيرة، فقد كانت هي مصدر طعامه الأساسي والممكن والسهل، وكانت هي المصدر الوحيد للغذاء غير الحبوب التي تحتاج إلى بذور لزراعتها وبذور الحبوب هي مصدر الغذاء فيصعب الحصول عليها، أما نوى التمر فيرمى دون أن يكون غذاءً.

كما عرفنا (الرشودية) نسبة لعائلة الرشودي في بريدة, وقام أفراد من عائلة (البسام) من عنيزة بجلب غرائس (البرحي) من العراق وزرعت في القصيم ونجحت نجاحاً باهراً، كما تم جلب (خلاص الأحساء) إلى القصيم ونجحت زراعته نجاحاً باهراً بجودة غلبت جودة خلاص الأحساء، بعد أن كان الناس يعتقدون أنّ الخلاص خاص بمنطقة الأحساء, كما عرفنا نبتة سيف، ونبتة علي, والونانة, والهشيشي, والروثانة, والشقراء, والمكتومي، وسكرية المذنب الحمراء والتي تشتهر بها مدينة المذنب بالقصيم، وعسيلة، والصقعي, والسلج الذي تشتهر به منطقة الرياض، وكذلك (حلوة الجوف)، والفنخاء بمنطقة حائل, والعجوة والروثانة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

ويبدو لي والله أعلم، أننا لم نكتشف أي نوع جديد من التمور بسبب ابتعاد الارتباط المجتمعي معها، بعد ترك ابن الجزيرة لمهنة الزراعة وتوجُّهه إلى المدن والمصانع ومرافق البترول، وحلول العمالة الوافدة التي تتعامل مع النخلة والتمور كمصدر للمال فقط دون اهتمام بالنخلة واستزراعها وملاحظتها وتذوّق طعم ثمرها، الذي أجاده سابقاً سكان صحراء الجزيرة وخاصة في منطقة القصيم. ومما سبق يتضح جودة إنتاج التمور في منطقة القصيم ويعود السبب في ذلك إلى بعدها عن الرطوبة وخصوبة أرضها.

وعلى هذا فإنني أقترح أن يقوم مجلس منطقة القصيم الذي يقوده سمو أمير المنطقة الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، ويعاضده سمو نائبه الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود، بتبنِّي فكرة إنشاء (مزرعة أبحاث أنواع التمور)، وذلك بالتنسيق مع وزارة الزراعة (وكالة الوزارة للأبحاث الزراعية)، أن يتم وضع مجلس إدارة لهذه المزرعة من المزارعين من أبناء المنطقة ويزرع فيها أعداد كبيرة من النخيل عن طريق النوى الذي ينبت نخلاً يسمّى (نبتة) بنسبة 10% مما يتم بذره من النوى والذي عن طريقه اكتشف الجيل السابق هذه الأنواع من التمور فالتمور هي النوع الوحيد الذي يتنوّع عشرات الأنواع والألوان والمذاقات بخلاف البرتقال أو الموز الذي لا ينتج إلاّ نوعاً واحداً، وبهذا يمكن أن تكتشف من نوى السكرية ما هو أجود منها، ومن الشقراء أو المكتومي ما هو أكثر إنتاجاً ومن الونانة ما هو ألذ طعماً، ويشترط في هذه المزرعة أن لا تتجه إلى المنحى الأكاديمي فهاهي السكرية التي عرفت بجهد مزارع لم تحتاج إلى مركز للأبحاث وها هي الخلاص لم تحتاج إلى اتفاقية بحث واستيراد مع دولة أخرى وإنما جلبها شخص عبر الصحراء على الإبل من العراق إلى القصيم, وان يتم إدارتها بأبناء المنطقة من المهتمين بزراعة التمور، فهم خير من أن نستقدم خبراء من أمريكا أو اليابان وهم لا يعرفون التمر فهل رأيتم الفلبين تستقدم خبراء منا لتعليمهم إنتاج الأناناس، أو نيوزيلندا لتعليمهم زراعة الكيوي.

أتمنى أن نرى (مزرعة النخيل البحثية) في القصيم التي تزداد كل يوم بساتين نخلها شموخاً وجريدها اخضراراً وقنوانها زهواً بأبنائها وبسمو أميرها الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز وسمو نائبه الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود.

Arac433@hotmail.com

 
مقالات أخرى للكاتب