Sunday 20/10/2013 Issue 14997 الأحد 15 ذو الحجة 1434 العدد
20-10-2013

لا تزال هي هي الأسئلة..!

ثمة أسئلة كثيرة كانت تدب في الصدر، وقد قلت قبل هذا : إنّ الأسئلة أسراب تعشش فيه، وتفعل في العقل..!

هذه المرة استقرّت بأسرابها في الصدر..، كانت تشد حتى السمع، والنظر، نحو الأمكنة التي تذهب إليها، زحفاً، وطيراناً، وهرولة، ومشياً، ودخاناً..

أسلمت نفسي لهذه الخليات التي اعتمرتني لحظة أن وضعت قلمي يوم الأول من ذي الحجة وغبتُ عنكم..، وكنت قد تعوّدت التوقُّف في إجازة الحج عن الكتابة..، مذ أول عهدي بالوفاء لدعوة أبي بشار أن أكون معه في عودة سفينة الجزيرة الصحيفة لأن تأخذ مسارها المُبحر في مرحلتها الثانية عند عودته إليها، التي بدأت برئاسته المشعّة 1999..، وكنت معه، ولا أزال..

غير أنّ غيابي لهذا العام جاء مختلفاً، فثمة عذر آخر عن رغبة الانضمام لمواكب الأهل، والقربى، ومتعة التأمُّل في جبهة الأب، وبسمة الأخت،.. إذ لم يحدث..،

إنّ التجربة ليست جديدة لغرض الانقطاع.. إنما كانت رحلة عميقة في التعرُّف على محكّات الرضاء ، والصبر، والقبول ، والاحتساب، والفرح، والحزن، وكل الذي يبعث الفرص شاسعة، وأريحية للأسئلة..، وبالغة الكرم معها..،

تلك الأسئلة التي تحتضن أجنّتها في لمح البصر، وتتوالد في أسرع فترات الحمل، والمخاض، والتكاثر..،

فالأسئلة خصبة متنامية، سريعة التوالد ، والتنامي..!

على ذلك المقعد الذي حملني يوم الأول من ذي الحجة إلى حيث تطوّفت في بحورها، وعند مرافئها التي لا تلبث أن تتحوّل لأطباق طائرة، تنتهي بي إلى براح مرتفع ، يلفّني فيه غطاء سميك لا يتيح لي إلاّ منفذاً صغيراً للرؤية، يحجز أنفاسي لتستمد من مجرى دقيق رائحة الهواء المعقّم، ثم يعاودني لحياض الأسئلة، أفحصها فلا تجيب، أعصرها فلا تقطر، أقلبها فلا تلين، أطوح بها فلا تستكين، وأبحر بها فتتمادى لا تستسلم البتة..

كيف، ما الذي، ماذا، متى، إلامَ، علامَ، إلى أين،

ولماذا ...، لماذا..؟

أما هي ، فلا تنبس بحرف..،

أما أنا، فقد انتهكت مدن الإجابات، أقمت عساكر أفكاري، موّنتها بعدَّة، وعتاد ، وأعداد من تحليلي ، وتخرّصاتي، .. واستباقاتي، واستثناءاتي، واستشرافاتي..

لم أعجز..، ولم أملّ..، بل ما تهاونت...

انتصرت على جزء، وفشلت في آخر..

ضحكت كثيراً، وبكيت قليلاً..، وتبسّمت طويلاً..!

ثم، لم أخرج خاسرة ..، ولا منتصرة..

الذي خرجت به من مدن الأسئلة التي عبرت بها، وعرفت منها، وجرّبت معها، وصادقتها، وهادنت معها، هو أنّ الحياة تجمل أكثر في خوض تجربة التعايش مع الأسئلة..!

وأجمل ما أتي عنها في الأيام القليلة الماضية ، هو أنني عدت اليوم إليكم بزخم من هوائها، ولون من أجنحتها، ..

وبكم حافزاً قوياً لأن أستمرّ في فض الدَّواة، ومجاراة الحبر..!

ومشاكسة الأسئلة..!!

فلا تجعلوها محيِّرتكم..، بل تعاملوا معها كالماء في كأسكم، واللقمة بين أصابعكم..

وهلمّوا للتذوُّق، والإبحار..!

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

 
مقالات أخرى للكاتب