Monday 21/10/2013 Issue 14998 الأثنين 16 ذو الحجة 1434 العدد
21-10-2013

هكذا تكون المواقف أو لا تكون!

ربما هي حالة استثنائية، وقد تكون غير مسبوقة؛ ولهذا كانت صدمة، ومفاجأة غير متوقعة، وبسببها كان كل هذا الدوي في التعامل معها، مثيرة جدلاً على المستوى الدولي، وبنبرات متباينة، بين مرحِّب وسعيد وفرح بهذا الموقف الشجاع، وبين راغب في توظيفها للإساءة إلى المملكة، ضمن عمل مسيَّس ومدروس على مستوى بعض الدول والإعلام المعادي لتوجُّهات المملكة؛ إذ إن انسحاب المملكة من عضوية مجلس الأمن غير الدائمة، مبرَّراً بعجز المجلس عن أداء واجباته، وبسبب ازدواجية المعايير في تعامله مع التطوُّرات على مستوى العالم، لا يمكن أن يُفهم إلا أنه رسالة مهمة، ينبغي أن تصغي لها دول العالم، وصولاً إلى ذلك اليوم الذي يستعيد فيه مجلس الأمن دوره، وبالتالي يتحمَّل مسؤولياته.

***

هذا يعني أن للمملكة وزنها وثقلها وتأثيرها، مثلما أن لها من أهمية كبيرة مع كل قرار يصدر عنها، أو موقف يعبِّر عن إرادتها المستقلة، دافعها في ذلك المحافظة على حقوق أمتها العربية والإسلامية، وسعياً لا يتوقف منها نحو ترسيخ مبادئ العدل والسلام، اللذين هما حقٌّ، لا تُستثنى منه أي من الدول، أو تُحرم منه أي من الشعوب، وأن يكون ذلك -وفق رؤية الملك عبدالله- في إطار الشرعية الدولية، وبما يخدم عملية إصلاح مجلس الأمن، الذي تُعد المملكة إحدى الدول المؤسسة له، حتى ولو كان هذا الإصلاح على حساب حرمان الدول دائمة العضوية من بعض امتيازاتها.

***

وفي هذا كان اعتذار المملكة للعالم عن عدم قبول ترشيحها لمقعد غير دائم، ولمدة عامين في الأمم المتحدة، ما لم يتم إصلاح المجلس بشكل يمكنه من القيام بمهامه، إنما ينمُّ عن استقلالية قرارها، ويعبِّر بوضوح عن أنها صاحبة ريادة وإرادة، تراعي في مواقفها الجسورة والدائمة مصلحة شعبها وأمتها، وتنظر إلى المجتمع الأممي، ممثلاً في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبقية المؤسسات التابعة، على أن عليه أن يتعامل مع كل القضايا بعدل ومساواة، ولا تكيل بمكيالين مع القضايا الملحة والخطيرة المطروحة عليها، غير أن المملكة وجدت أن ما تتطلع إليه شيء، وما يجري داخل أروقة مجلس الأمن شيء آخر، بل إن ما يجري في الغرف المغلقة خارج المجلس بين قيادات الدول دائمة العضوية شيء خطير مما لا يمكن قبوله، أو التسليم به.

***

قد يفتح موقف المملكة الطريق - وبشكل متتابع - لأصوات أخرى كي تحاكي المملكة في صراحتها وشجاعتها ونزاهتها والتزاماتها الإنسانية والأخلاقية؛ فيؤثر ذلك في اصطفاف آخرين نحو ممارسة دورهم في إصلاح قواعد وأنظمة الأمم المتحدة وكل المؤسسات التابعة لها، بما في ذلك مجلس الأمن -وهو الأهم - بحكم الصلاحيات المطلقة التي تتمتع بها الدول دائمة العضوية في تعاملها مع قضايا السلم والحرب، حيث لا صوت يعلو من بقية الأعضاء على صوت الدول الخمس، ولا قيمة لرأي معارِض يصدر منها ضد الدول الخمس؛ لأن نقضه سوف يتم بصوت واحد من هذه الدول.

***

ولا بأس أن تتضامن وسائل الإعلام الأجنبية في الغرب والشرق في الهجوم على المملكة لخروجها عما هو مألوف في تعامل الدول مع هذه المنظمة، وأن تلتقي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في موقف سلبي واحد من قرار المملكة، وأن تعبِّرا عن وجهة نظر متطابقة في استقبالهما لهذا القرار الشجاع الذي أفصح مجدداً عن رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز لهذه المنظمة، من خلال ما ورد في بيان الخارجية، وهي رؤية يمكن اختصارها بأنه آن الأوان أن تلامس تلك المنظمة بعض أفكار الإصلاح بعد سنوات من المواقف المنحازة والتي ألحقت أبلغ الضرر بالسلم والاستقرار في العالم.

***

إنَّ السياسة التي تقوم على العدل والإنصاف والمساواة والنزاهة والدفاع المشروع عن الحقوق المشروعة لدول ما يسمى بالعالم الثالث، وهو ما نستشفه في بيان وزارة خارجية المملكة، هي المنهج الصحيح الذي يعبِّر عن مواقف خادم الحرمين الشريفين التاريخية، بما عُرف عنه من إفصاح عن سياسة المملكة، دون النظر إلى ما يمكن أن يثيره ذلك من غبار لا تحبذه الدول الكبرى، ولكن كيف للمملكة بسياستها المعتدلة والثابتة منذ عهد الملك عبدالعزيز إلى اليوم أن تلتزم الصمت ولا تلقي بالاً لهذا الدور الخطير الذي يلعبه مجلس الأمن في تعامله مع مجمل القضايا، وتحديداً مع قضية فلسطين والحرب الدائرة في سوريا وأسلحة الدمار الشامل في منطقتنا؟!

 
مقالات أخرى للكاتب