Monday 21/10/2013 Issue 14998 الأثنين 16 ذو الحجة 1434 العدد
21-10-2013

إن تركت العقل لن يتركك أصحاب العقول

قالت العجوز من هذا الذي تريدون مني أن أقطع تسبيحي وأرفع رأسي لأنظر إليه، فقيل لها هذا الشيخ الأكبر الذي يعرف ألف دليل ودليل على وجود الله.. قالت العجوز لو لم يكن عنده ألف شك وشك لما بحث عن ألف دليل ودليل. سمع الشيخ كلام العجوز فقال اللهم ارزقني إيماناً كإيمان العجائز.

الإيمان يمنح الاطمئنان لأنه يمنح الرضى في الدنيا والأمل في الآخرة. العاقل يعرف أنه أتى إلى الحياة دون أن يسأل، ويذهب منها دون أن يسأل، وعليه أن يتصرف بما بين القدوم والرحيل بأفضل ما وهبه خالقه من إمكانات. أهم هذه الإمكانات القلب (بالمعنى المجازي للنفس) كمنبع للإيجابيات والسلبيات الفطرية، مع العقل كمركز للتفكير المحايد. السؤال هو هل يستغني القلب عن العقل أو العقل عن القلب؟ لم يقل أحد بذلك.

علوم الكلام في الإيمان بمنطق وقياس العقل تؤدي إلى الحيرة والضياع وفقدان الاطمئنان، لأن الإيمان فطرة إيجابية احتوائية يحتاج إليها الإنسان والمجتمعات للاستقرار، والخالق في غنى عنها وعن كل ما خلق. هذه مسألة جفت دونها الأقلام ودرست الأوراق وقصرت الأفهام، لكن الإنسان يظل ذلك المخلوق الضعيف الذي ما إن تعركه الظروف وتختبره نكبات الدهر حتى يدخله الشك في قدرات عقله، فيعود إلى طلب النجاة من الذي أوجده من العدم.

هذا بخصوص البحث عن الإيمان بمقاييس العقل، لكن ماذا عن استعمال العقل في قياس الأشخاص والمنقول عن الأشخاص النازلين في مراتب ما دون الأنبياء والرسل والصحابة، وأعني تحديداً بعض الرواة والأحاديث المروية بالعنعنة بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» وجميع صحابته الذين سمعوا عنه مباشرةً «رضوان الله عليهم»، وبتحديد أدق بعض الأحاديث التي لا يتقبل عقل المؤمن بسهولة إدماج محتوياتها في مفاهيم مجتمع الرسالة المنزهة العفيفة الطاهرة.

في مثل هذا الموضوع يدور نقاش بين الشيخين الفاضلين إبراهيم المطرودي وخالد الشايع، وهو إلى حد ما نقاش بين العقل والقلب، ليس حول أركان الإيمان ولا النصوص المنزلــة وحي ولا تلك المروية بإسناد صحيح إلى صحابة عايشوا الفترة النبوية، وإنما هو نقاش حول جواز استعمال العقل فيما دون ذلك.

هذا الحق سبق أن استعمل عبر فترات التاريخ الإسلامي مراراً وتكراراً حتى اليوم، والشيخ الألباني أحد الذين استعملوه.

الشيخ المطرودي يريد لمسلمي اليوم أن ينظروا إلى داخل ما في صندوق التاريخ الإسلامي، لينتقوا منه النفائس والجواهر الثمينة، والشيخ الشايع يحذر من التشكيك في مجموع ما اختاره أئمة الحديث في كل مذهب لأتباعه حتى وصل إلينا اليوم داخل الصندوق، وكأنه يخشى من أن يمتد القياس بالعقل إلى ما هو متفق عليه من الأصول التي لا يكتمل الإيمان بدونها.

أعتقد أن المجتمع في هذه البلاد وصل إلى درجة من النضج بحيث أصبح يعرف أن سعادة الإنسان واطمئنانه وراحته النفسية لا يمكن الحصول عليها بدون الإيمان، كما أنه وصل أيضاً إلى درجة من الإدراك تجعله يميز بين النفيس من التراث المنقول وما هو دون ذلك من الموجود داخل صندوق التاريخ بكل ما يحتويه.

الإشكال الحقيقي الذي ورثه المسلمون من التحرج في استعمال العقل حسب الموروث التاريخي هو أنه طبق أيضاً على تبديع التجديد في كل شؤون الحياة تقريباً، الدينية والدنيوية، مما جعل المسلمين دون استثناء في أسفل قائمة القوى المادية والمعنوية والحقوقية.

للأسف، أولئك الذين استعملوا العقل بجدية واحترافية لم يتركوننا في حالنا، بل اقتحموا الديار واستعمرونا وسيطروا على المقدرات ونهبوا الثروات. هذا ما أقصده من العنوان: إن تركت العقل لن يتركك أصحاب العقول.

- الرياض

 
مقالات أخرى للكاتب