Wednesday 23/10/2013 Issue 15000 الاربعاء 18 ذو الحجة 1434 العدد
د. محمد بن يحيى الفال

د. محمد بن يحيى الفال

أضواء على اعتذار المملكة عن مقعد مجلس الأمن

23-10-2013

نعم للتعاون ونعم للاعتذار!

قد يستطيع المرء أن يجزم بأنه ليس هناك دولة في عالمنا قدمت ومازالت تقدم مساهمات خيرة و عطاءات بلا حدود لجهود الأمم المتحدة الرامية لتثبيت السلام والأمن الدوليين كما فعلت المملكة العربية السعودية.

والقول الذي صرحت به روسيا بأن المملكة تتهرب من مسئوليتها الدولية بسبب اعتذارها عن قبول العضوية المؤقتة لمجلس الأمن الدولي، هو قول لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به، وينافي الحقيقة جملة وتفصيلاً، وعلى المشكك إن وجد العودة إلى سجلات الأمم المتحدة ليرى سجلا ناصع البياض قل أن يكون له مثيل.

سجل حافل بالمساهمة الإيجابية المتميزة في كل نشاطات الأمم المتحدة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو سكانية. مساهمات ساعدت بشكل أساسي منظمات عديدة متفرعة من الأمم المتحدة كاليونسكو المتخصصة بالثقافة والعلوم، ومنظمة الزراعة والأغذية(الفاو)، وبرنامج الغذاء العالمي، ووكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين( الآنروا)، ومنظمة الصحة العالمية، والتي شاركت بمراقب لها في فعليات حج هذا العام والتي صرحت بعد ما اطلعت عليه من جهود جبارة لحكومة المملكة في سبيل كل ما من شأنه صحة وأمن الحجاج بأنها دهشت من مستوى الخدمات المقدم الذي يتسم باحترافية ومهنية قد لا تتوفر لدى العديد من دول العالم المتقدمة.

فالمملكة ومنذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز رحمة الله وديدنها ومبدأها الذي أقره الملك الموحد وتبعه في تطبيقه أبناؤه الأبرار هو أن ندع الأفعال تتحدث عن نفسها، وأفعال المملكة البيضاء في مختلف المستويات لا ينكرها إلا جاهل أو جاحد. واعتذار المملكة عن شغل مقعد مؤقت في مجلس الأمن لمدة سنتين، هو ليس رفضاَ للقيام بدورها في تحقيق السلام والأمن العالميين كما يحاول أن يصور المشككون، أو رفض منها للتعاون مع منظمة الأمم المتحدة وهي العضو من الأعضاء القلة الذين كان لهم سبق إنشاء المنظمة الدولية عام 1946، بل موقف المملكة هو الاعتذار عن المشاركة في فعاليات تعلم ويعلم الجميع بأنها لن تكون عادلة للقضايا العربية والإسلامية، قضايا مثل فلسطين والوضع المؤسف المحزن الذي نراه في سوريا اليوم، وأجندة أخرى خفية تتعلق بأمن واستقرار المنطقة العربية والعالم.

فالقضية الفلسطينية لها في أروقة الأمم المتحدة أكثر من أربع وستين عاماً وما زالت تراوح مكانها، مسجلة رقماً قياسياً بقضايا التحرر الوطني. وليكون الشعب الفلسطيني الشعب الوحيد تقريباً الذي لم يحصل على دولة مستقلة. وأصدرت الأمم المتحدة العديد من القرارات بخصوصها لعل أشهرها القرار رقم 242 القاضي بانسحاب إسرائيل لخط الرابع من يوليو 1967م، أي قبل حرب الأيام الستة. الحرب المفاجئة التي شنتها إسرائيل واحتلت فيها كامل شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، والضفة الغربية لنهر الأردن بما في ذلك القدس الشريف. والمملكة وكما هو الحال مع العديد من دول المنطقة المتأثرة بالوضع السوري، رأت في موقف مجلس الأمن تخاذلا واضحاً في حرب استعمل فيها النظام السوري كل الأسلحة ضد شعبه بما في ذلك السلاح الكيماوي.

وحملت المملكة صوت الجميع للعالم واستنكارهم لصور ضحايا الحرب والقصف الكيماوي المرعب في سوريا، باعتذارها عن الجلوس في مجلس لم ينصف الضحايا الذين أكدت تقارير الأمم المتحدة بأن النظام في دمشق هو من قام بالجريمة وفلت من العقاب بمباركة من القوى العظمى، بعد أن سمح لها بنزع سلاحه الكيماوي. وما يزيد من الموقف تعقيدا بأن مؤتمر جنيف 2 سيعقد في قريبا ، وكل المؤشرات تؤكد بأنه سوف يُشرع لمصداقية جديدة لنظام دمشق بالتوافق مع عرابي النظام في كل من موسكو وطهران ، والأخيرة تعيش شهر عسل سيكون قطعاً طويلاً مع علاقاتها مع الغرب بدعم وتأييد من روسيا، في منظر يؤكد بأن هناك سيناريوهات لا تسر قد أعدت للمنطقة العربية برمتها.

المملكة لم تكن الوحيدة في موقفها من مجلس الأمن الواقع تحت ضغط الدول الخمس الدائمة العضوية، فقد دعي رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما خلال خطابه للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة إلى وضع ترتيبات ديمقراطية جديدة لمجلس الأمن تأخذ في الاعتبار المستجدات التي حدثت للعالم، على أن تكون هذه الترتيبات عادلة وشفافة، وأن يتم إطلاقها مع احتفالات الأمم المتحدة للذكرى السبعين لإنشائها عام 2015م. كذلك حاولت مجموعة الأربع (G4)، التي تضم البرازيل، الهند، ألمانيا واليابان أن يكون لأحدهم مقعد دائم في مجلس الأمن. بيد أنهم جوبهوا برفض متزايد في أورقة الأمم المتحدة ضد توجههم. وفي يونيو 2005 دعي وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي (حينها) إلى انتخاب عضو دائم في مجلس الأمن ممثلاً عن العالم الإسلامي.

وكما هو الحال مع مقترح مجموعة الأربع لم يلتفت إلى المقترح. ولو كان النظام العالمي عادلاً لمنح المملكة مقعداً دائماً في مجلس الأمن للعدد من الأسباب الوجيه التي لا غبار عليها وأهمهما أن الله شرفها بوجود أقدس مقدسات المسلمين الذين يقارب عددهم من 2 بليون من سكان العالم، وكونها دولة المقر لأكبر منظمة سياسية بعد الأمم المتحدة وهي منظمة التعاون الإسلامي، وأنها تقوم بجهود استثنائية في خدمة السلام والأمن العالميين ولعل العالم يذكر تلك المساهمات التي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كل من مؤتمر مكة المكرمة، ومدريد ونيويورك. وتوجت جهوده في دعم السلم والأمن العالميين بافتتاح مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في قلب أوربا في العاصمة النمساوية فينا، والمملكة عضو في مجموعة العشرين التي تضم العشرين دولة الأكثر تأثيرا في اقتصاد العالم، إضافة لسجل المملكة المميز في دعم الأمم المتحدة منذ نشأتها وحتى الآن.

ولعل الملاحظ من ردود الأفعال التي أعقبت قرار المملكة الاعتذار عن المشاركة فعاليات مجلس الأمن أنها كانت بعيدة عن المصداقية في الطرح، وأمثلة ذلك ما ورد في بعض الصحف الأمريكية ذات الانتشار الدولي كصحيفة نيويورك تايمز والواشنطن بوست، حيث تسأل آيريك فوتن في الواشنطن بوست عن سبب اعتذار المملكة عن شغر مقعد في مجلس الأمن وبرر ذلك بأسباب واهية تدل على جهله المطلق بمنطقة الشرق الأوسط ودور المملكة المحوري في التأثير في المنطقة. على كل حال فالولايات المتحدة نفسها سبق لها أن انسحبت من منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة ( اليونسكو)، لمدة تزيد عن عشرين عاماً من الفترة الواقعة بين 1984 وحتى 2003.

بدأت خلال ترؤس السنغالي مختار أمبو للمنظمة وذلك أبان إدارة الرئيس الأمريكي الجمهوري رونالد ريغان، بسبب اتهامات أمريكية بسوء إدارة المنظمة. وأعادت أمريكا عضويتها في فترة رئاسة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن. كذلك هددت أمريكا بخفض مساهماتها في نشاطات المنظمة والبالغة 22% من ميزانيتها إذا اعترفت بفلسطين والذي حدث بتصويت 107 عضو مقابل 9 أصوات صوتت بـ”لا”، بحجة أن انضمام فلسطين لمنظمة اليونسكو سوف يؤثر على محادثات السلام وذلك في نوفمبر 2011م في عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما المعروف عنه ليبراليته وإيمانه بالثقافة كرابط وجسر بين الشعوب، ولكنها لعبة السياسة التي تفعل المستحيل والغير معقول. وبغض النظر على الرؤى المتقاطعة تبقى العلاقات السعودية الأميركية علاقات مميزة وتعمل المملكة دائماً نحو توظيفها لخدمة الحقوق العربية المشروعة.

وأكدت السيدة/ جنيفر بساكي الناطقة باسم الخارجية الأمريكية بتفهم بأن يكون للبلدين ردود فعل مختلفة، مع استمرار التعاون بشأن المشاكل ذات المنفعة المشتركة. وتتناقل وسائل الإعلامية بأن المجموعة العربية في الأمم المتحدة تحاول أن تثني المملكة عن موقفها، ولو افترضنا أن هذا قد يحصل فالمهم هنا أن الرسالة وصلت مجلس الأمن، وستبقى المملكة عضوا مساهماً فاعلاً وداعماً لنشاطات المنظمة الدولية، مع الوضع في الاعتبار بأنها إحدى الدول القلائل التي شهدت ولادتها. أخيراً رسالة للروس لإعادة قراءة موقفهم: فحواها أن من يشهد الولادة غالباً لا يتهرب من المسئولية الملقاة على عاتقة، خصوصاً إذا كان يحمل سجلاً حافلاً بالتعاون مع الأمم المتحدة قل نظيره كسجل المملكة، والحقائق لا يمكن تجاهلها.

Alfal1@ hotmail.com

باحث اعلامي

مقالات أخرى للكاتب