Saturday 02/11/2013 Issue 15010 السبت 28 ذو الحجة 1434 العدد
02-11-2013

الشعر في الحج

يعتبر موسم الحج كل عام منذ أقدم العصور فرصة سانحة لإقامة أسواق التجارة والأدب معاً ومن أبرزها سوق عكاظ -بطبيعة الحال- الذي أعادت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة إحياءه وأصبح يقام كل عام قبيل موسم الحج بشهر تقريباً.

وأبرز الألوان الأدبية في هذا الموسم هو الشعر الذي يصف فيه الشعراء رحلتهم من بلادهم البعيدة حتى بلوغ البيت الحرام ومسجد نبي الهدى والرحمة -صلى الله عليه وسلم- فتعبر أشعارهم عن الشوق والحنين إلى البقاع المقدسة. وعند مغادرتهم بعد نهاية الموسم ينظمون أشعاراً تصف آفاق الإيمان والتقوى في الحج، حيث أوضح القرآن الكريم -على سبيل المثال- علاقة التقوى بالصيد في الأشهر الحرام وعدم قتله عمداً وكفارة ذلك إما بمثل ما قتل من النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً، أما صيد البحر وطعامه فحلال عكس صيد البر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) سورة المائدة. وقال سبحانه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) سورة المائدة.

هذا توطئة لحديثنا عن الأدب في الحج وحينما نتناول الشعر في موسم الحج، فإنه من الملفت للنظر أن يجد الباحث أن الإيمان -أيضاً- له علاقة بهذا اللون الأدبي الرفيع، أليس الله القائل: وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ الشعراء 224-227.

ومن أروع الأمثلة التي يمكن طرحها مثال ما حدث قبل الإسلام أن النابغة الذبياني وهو من شعراء الجاهلية عني بذكر الحج وما يتصل به من مشاهد.. فهو -مثلاً- في اعتذاره للنعمان يقول في معلقته حالفاً بمن أمّن الطير في الحرم تمر به ركبان مكة:

والمؤمن العائذات الطير تمسحها

ركبان مكة بين الغيل والسند

فإن نديت الشيء أنت تكرهه

أذن فلا رفعت سوطي إلى يدي

والمؤمن هنا هو الله تبارك وتعالى والغيل مكان والسند جبل.

وفي قصيدته العينية يصف الإبل والطير والأماكن التي يمر بها الحجاج إلى أن يقول مخاطباً النعمان:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وان خلت أن المنتأى عنك واسع

أما قصيدة بانت سعادُ وأمسى حبلها انجذما

فتشمل أبياتاً كثيرة في وصف رحلة الحج التي قام بها هذا الشاعر.. فيبدأ بوصف محبوبته من بلي ويعتذر إليها أنه في رحلة مقدسة لا يحل له فيها لهو النساء فهو قد عزم على الدين، أو الحج.. بالرواحل يرجون البر والمعروف من الله ويمتدح بكرمه ومكانته...حتى يصل إلى الحرم وهناك تقابله حرميه حسناء من حسناوات مكة تعرض عليه أن يشتري أدما (جلداً) عسى أن يكون في ركبه المخفي في الهوادج من يشتري ذلك الجلد.. الخاص بالنسوة فيعتذر لها فلا وقت لديه للبيع أو الشراء.. فيقول:

بانَتْ سُعادُ، وأمْسَى حَبلُها

انجذما،واحتلتِ الشرعَ فالأجزاعَ من إضما

إحْدى بَلِيٍّ، وما هامَ الفُؤادُ بها،

إلاّ السفاهَ، وإلاّ ذكرةً حلما

أنجذم: أي: انقطع.. وابتعد عنه في المواضع التي يذكرها ولم يهم قلبه بها سفاهاً.. لكن ذكراها أصبحت حلماً من الأحلام.

ويصف سعاد قائلاً:

ليستْ منَ السودِ أعقاباً إذا انصرفتْ

غراءُ أكملُ منْ يمشي على قدم

قالت: أراكَ أخا رَحْلٍ وراحِلَةٍ

حياكِ ود، فإنا لا يحلْ لنا

مشمرينَ على خوصٍ مزممةٍ

ولا تبيعُ، بجنبيْ نخلة، البرما

حُسْناً وأمْلَحُ مَن حاوَرْتَهُ كَلِمَا

تغشى متالفَ، لن ينظرنك الهرما

لهوُ النساءِ، وإنّ الدينَ قد عزما

نرجو الإلهَ، ونرجو البِرّ والطُّعَمَا

قوله ليست من السود أعقاباً... إي لم تسود قدماها من المشي لأنها منعمة ولا تشتغل بالبيع.. وغراء جميلة.

الجسم ورائعة الحديث.. وود: اسم صنم من أصنام الجاهلية.

مما سبق نستنتج أن النابغة الذبياني كان يعظّم الحج فتقوى الله في قلبه وهو جاهلي قال تعالى: وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) سورة الحج.

لهذا أصبح النابغة نتيجة عفافه وترفعه عن الهوى مع النساء شاعر قبيلته وأسلم وحسن إسلامه.

وقد استعرض الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي -يرحمه الله- في كتابه الحج في الأدب العربي بالإضافة إلى قصيدة النابغة أثر الحج في الأدب العربي فيما بعد الجاهلية كالعصر الأموي وحتى العصور الحديثة. ولاشك أن الندوة السنوية التي تقيمها وزارة الحج تناولت قبل عدة أعوام أدب الحج نثراً وشعراً وهو من أجمل ماكتبه الأدباء من مختلف أقطار العالم الإسلامي ويمثل وحدة الأفئدة التي تهوي إلى بيت الله الحرام كل عام ليشهد أصحابها منافع لهم من بينها التعارف فيما بينهم..

ويؤدي الإعلام السعودي دوراً مهماً في عرض ونشر وإذاعة فعاليات هذه الندوة كل عام لإبراز منافع الحج في ناحية مهمة من نواحيها ألا وهي الأدب.

والله الموفق.

الحاشية:

***

(1) عبدالعزيز الرفاعي، الحج في الأدب العربي، المكتبة الصغيرة (16)، ص 28.

(2) السابق، 31- 32.

مقالات أخرى للكاتب