Tuesday 05/11/2013 Issue 15013 الثلاثاء 02 محرم 1435 العدد
05-11-2013

بين بنوكنا والنشاط الاجتماعي ... وباب رزق جميل ونشاطه

البنوك السعودية المرخصة في المملكة عددها قليل نسبياً. هذه البنوك تتحكم في ثروة متداولة في الداخل السعودي تعتبر الأضخم في المنطقة على الإطلاق؛ ولأسباب هدفها تكريس وحماية الاستقرار المالي والاقتصادي كما يقولون، فإن أنظمة مؤسسة النقد تعتبر متحفظة إلى درجة التشدد في التوسع في زيادة عدد البنوك السعودية والترخيص لها.

ولعل الأرباح الطائلة، والمتزايدة سنة بعد أخرى، التي تجنيها البنوك السعودية، مؤشر يدل على أن المخاطر التي تكتنف هذه البنوك في غاية المحدودية، نظراً لزيادة الطلب على خدماتها التمويلية، ومحدودية عددها مقارنة بالثروات النقدية (الضخمة) المتداولة والمودعة فيها دون أن يتقاضى أصحابها فوائد، وكذلك تزايد الطلب على خدماتها سنويا بشكل مضطرد ما جعلها (تنتقي) القروض متدنية المخاطر من طالبي التمويل، وبشروط مغرقة في التشدد، وهذا ما انعكس على انخفاض مخصصات الديون المعدومة، أو تلك المشكوك في تحصيلها، وارتفاع في المقابل (الأرباح) نتيجة لذلك. أي أن تشدد مؤسسة النقد في الترخيص لبنوك جديدة وإدخالها إلى السوق اغتنمتها البنوك القائمة لتحقيق مستويات من الأرباح لا تستطيع أية بنوك في دول أخرى تحقيقها.

ولكن.. هل مشاركة بنوكنا في (العمل الاجتماعي غير الربحي) في الداخل يتناسب مع معدلات أرباحها الضخمة التي تجنيها كل عام؟

الجواب بمنتهى الأمانة والمباشرة هو (كلا).. صحيح أن هناك مساهمات هنا وهناك، إلا أنها ما زالت أقل من المطلوب بكثير، وإذا ما قيست بإجمالي أرباح البنوك تعتبر مُخجلة، بل ويندى لها الجبين.

خذ مثلاً مبادرة رجل الأعمال «محمد عبداللطيف جميل» والمتمثلة في مشروع (باب رزق جميل). هذه المبادرة الاجتماعية الوطنية هي مهما قيل عنها، ومهما انتقدوها، ومهما شككوا في بواعثها، تُعتبر نموذجاً رائعاً ومثالاً يُحتذى للعمل الاجتماعي الرائد، الذي ساهم ليس في العمل الخيري والاجتماعي فحسب، وإنما في تدريب مجموعة من الشباب والشابات سيكونون حتماً أذرعة معطاءة وبناءة في صناعة التنمية وتدريب إنسان المستقبل في هذه البلاد؛ ثم أعطني في المقابل مشروعاً كمثل هذا المشروع الاجتماعي غير الربحي الرائد قام به، أو دعمه، واحدٌ من البنوك التجارية السعودية من تلك التي تصل أرباحها إلى المليارات من الريالات؟.. الجواب للأسف الشديد: لا يوجد!

ولتحفيز البنوك لدعم العمل الاجتماعي لا بد من تدخل الدولة من خلال القانون بالشكل الذي يُجبرها على المشاركة في العمل الاجتماعي؛ بحيث تفرض عليها فرضاً المساهمة في هذه الأعمال بنسبة مئوية (محددة) من صافي أرباحها.. فطالما أن الدولة تحميها عملياً من وجود منافسين جُدد لها في السوق، وقصر عدد البنوك على هذا الكم القليل، وغير المتوازن مع عدد السكان، مقارنة بدول أخرى، فإن هذه الحماية الضمنيّة لا بد أن يُقابلها على الأقل فرض نسبة مئوية محددة من أرباحها تذهب بحكم القانون إلى مؤسسات العمل الاجتماعي التي لا تهدف إلى الربحية؛ وهذا - بالمناسبة - ما يوازي في البلاد الأخرى خصم ما تدفعه المنشآت التجارية من وعائها الضريبي في الأنظمة التي تعتمد على الضرائب في تمويل نشاطات ومصروفات الدولة؛ وهو من الأعراف المرعية في كل الأنظمة الرأسمالية.

بقي أن أقول: إن من الضرورة بمكان، ولمنع البنوك من (التغوّل) الرأسمالي البغيض، يجب أن تقوم مؤسسة النقد ليس فقط بمراقبة سلامة عمل البنوك من الناحية المالية والائتمانية، وإنما - أيضاً - أن تجبرها بطريقة أو بأخرى لتخصيص جزء مجز ٍ من أرباحها في تمويل فعاليات العمل الاجتماعي غير الهادف للربح؛ لكي لا تكون بنوكنا مثل «شيلوك» في مسرحية شكسبير الشهيرة (تاجر البندقية).

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب