Friday 08/11/2013 Issue 15016 الجمعة 04 محرم 1435 العدد
08-11-2013

لا للحداثة نعم للقدامة!

تحت عنوان (هموم المثقفين الفرنسيين) كتب «هاشم صالح» مقالاً في (الشرق الأوسط) عن الفرق بين هموم المثقف العربي وهموم الفرنسي.. المثقف الفرنسي - كما جاء في المقال - لديه همومه من نوع آخر إنها: (هموم الحداثة وما بعد الحداثة. أما نحن فلا نزال نتخبط في هموم القدامة وما قبل القدامة؛ لم نتجاوز بعد عواقب الفتنة الكبرى التي مزقتنا والتي لا تزال تلاحقنا حتى اللحظة).

وهذا صحيح؛ فلم أجد (ثقافة) معاصرة تعيش في الماضي، يُشْغِلها ويُلِحُّ عليها كيفية العودة إلى الوراء، والاتجاه عكس عقارب الساعة، وتلمّس حلول اليوم والمستقبل عند الأقدمين، مثل ثقافة العرب؛ هذه الثقافة لديها قناعة راسخة أن (الحل الحضاري) يجب أن يأتي من الماضي؛ ولا عبرة بفوارق الزمان والمكان، والتباين بين ما كان وما هو كائن، لأن من يُشغِلهم ذلك هم أناس يحكمهم المنطق وليس اللا منطق.

ثقافتنا (الماضوية)، وعدم احتياجنا للحداثة، سببها في رأيي أن اقتصاديات العرب اليوم هي (ريعية) بامتياز . فأكثر من نصف احتياطيات العالم من النفط في هذه المنطقة. فالنفط في الخليج وفي العراق وفي ليبيا وفي الجزائر وجزء منه في جوارنا عند الإيرانيين؛ حتى أن اللبنانيين - أيضاً - يقولون إن هناك كميات كبرى من النفط والغاز قبالة سواحلهم في البحر الأبيض المتوسط؛ وبها ومنها سيسددون - كما يأملون - كل ديونهم المتراكمة، وسيحلون مشاكلهم الحياتية، ويقضون على التخلف؛ فالأولوية إذاً ليست في القضاء على (دولة الطوائف المتخاصمة) وتحويلها إلى دولة حضارية، حديثة، مُستقرة سياسياً، ومُنتجة اقتصادياً، تستثمر ميزاتها النسبية في الإنتاج، وتجذب مُهاجريها لا تطرد المزيد منهم، وإنما في التنقيب عن (الكنز)، النفط والغاز، وكفى الله اللبنانيين شر الحداثة.. وثقافة النفط - بالمناسبة - لم تقف عند الدول النفطية فحسب، وإنما امتدت لتؤثر تأثيرا عميقاً على دول الجوار غير النفطية؛ خاصة وأنها تشارك دول النفط إضافة إلى الجوار الجغرافي المعتقد واللغة والهوية.

يقول «وليام سايمون» وزير الخزانة الأمريكي الأسبق عن ثروات العرب النفطية: (هؤلاء الناس لا يمتلكون النفط هم فقط يجلسون فوقه). وهذه المقولة رغم حدتها صحيحة وإن كانت جارحة ومحزنة. فالغرب هو الذي أخرج النفط، والغرب هو الذي علمنا تسويقه، والغرب والشرق من يشتريه، وما نملك من ثروات من ريعه بعد بيعه على الغرب والشرق نُخزنها في بنوكهم، أو في عملاتهم، كالدولار واليورو، أو في اقتصادياتهم، كسندات الخزينة الأمريكية مثلاً، أو في تَملّكنا لأجزاء من فعاليات الغرب والشرق الاقتصادية هناك، فثرواتنا عملياً رُدت إليهم؛ أما ما نستثمره من مردود هذه الثروات في الداخل، فقد استعنّا به على بناء مدن وقرى (مفبركة) تستورد كل شيء فيها - عدا التراب - من الخارج، حتى الإنسان الذي يبني هذه المدن والقرى ويُشغلها ويصون فعالياتها ويُنظف داخلها وخارجها، هو الآخر أتينا به - أيضاً - من الخارج، أما أهلها فيجلسون القرفصاء، يُتاجرون في العقار، ويقرؤون كتب الأقدمين، ويُنقبون في تراثهم، ويُمجدون ماضيهم التليد الذي لا يعرفون كيف يستردونه، ويتجادلون في وسائل الاعلام؛ يُبدِّعون هذا ويُضللون ذاك ويُكفرون آخر، وفي مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت تجدهم يُحرضون على كل من دعا إلى الحداثة من خلال أهم وسيلة خلقتها الحداثة وهي (الإنترنت)؛ وما أن تلوح فرصة للجهاد والقتال وإراقة الدماء حتى يتنادى الكهول والشباب معاً: (الجهاد الجهاد)؛ فالعرب ما خلقوا للحداثة، ولا لجوهر هذه الحداثة (لتنمية الاقتصادية) التي هي والتغريب - في رأيهم - وجهان لعملة واحدة؛ وإنما للحرب والقتال تماماً كما كان أجدادهم يفعلون:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يُراق على جوانبه الدمُ!

الحداثة بلا دوافع ولا حاجة لن يختارها الإنسان إذا وجد حلاً سواها، لأنها خيارٌ صعب ومُعقد، وطريقها طويل وشائك وشاق ومُضني، وتحتاج إلى تنازلات مُؤلمة، وإلى صبرٍ وتُؤدة؛ وطالما أننا لا نحتاج إليها فما الداعي لهذه الحداثة المتعبة المرهقة، والمحفوفة بالمخاطر وبالذات على (هويتنا)؟.. لقد كفانا الله شرها بما أفاء الله به علينا من خزائن النفط تحت أرضنا.

ولدي سؤال بسيط سأختم به هذا المقال: هل لو كان الكوريون الجنوبيون - مثلاً - يمتلكون موارد طبيعية كالنفط، سيستوردون (الحداثة) من الغرب، ويسلكون طريقها المضني والطويل، ويستثمرون في الإنسان، وينافسون الغرب في عقر دارهم؟.. يكفي أن تعرف أن كوريا الجنوبية كانت في بدايات الستينات من القرن الماضي ثالث أضعف اقتصاد في آسيا، وبعد (الحداثة) المستوردة من خارجها أصبحت ثالث أقوى اقتصاد في آسيا.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب