Sunday 10/11/2013 Issue 15018 الأحد 06 محرم 1435 العدد
10-11-2013

«دراويش السياسة» .. والعام الإخواني «الأسود» في مصر !؟

ما زال (دراويش) السياسة العرب خارج مصر بأكثر منهم داخلها.. يضحكونني، فهم على حالهم.. من ثورة الثلاثين من يونيه المصرية بملايينها الثلاثة والثلاثين: ينوحون على التجربة الديمقراطية الأولى في مصر، ومبدأ التداول السلمي للسلطة.. الذي جاء

بعد ستين عاماً من حكم العسكر.. كما يقولون (!!) وأن عسكر المجلس الأعلى للقوات المسلحة (طنطاوي وزمرته) الذين خرجوا من الباب بعد ثمانية عشر شهراً من حكم مصر.. عادوا إليه من (النافذة) بـ (انقلاب عسكري) على الشرعية والانتخابات وما أفرزته صناديق الاقتراع من تسليم الحكم لـ (الإخوان).. دون أن يتنبهوا بـ (دروشتهم) و(براءتهم) أو سذاجتهم إلى ما فعله (الإخوان) رئيساً ومرشداً وأعضاءً وهم يتسربون كـ (النمل) إلى مفاصل الدولة واقتصادها وإعلامها وتوجهها الثقافي السياسي المستنير.. طيلة عامهم الأول من حكم مصر.. بهدف تحويلها إلى (عزبة) إخوانية (أممية) هذه المرة.. وليست (مصرية)!! تدين بالولاء لـ (التنظيم الدولي) للإخوان.. أو (حلف بغداد) أو (إستانبول) الجديد، الذي ترعاه تركيا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في المقعد الخلفي منه..!؟ والذي ما كان خافياً على خبراء (كواليس) و(دهاليز) الإخوان والعالمين بأسرارهم.. من أمثال المحامي الإخواني الأبرز - المستقيل من الجماعة - الأستاذ مختار نوح عبر مداخلاته الفضائية الكاشفة، أو الأديب والكاتب الإخواني الأشجع - والمستقيل أيضاً - الأستاذ ثروت الخرباوي.. بكتابه الفاضح والرائع (سر المعبد).. إلا أن (التنظيم) انكشف تماماً وتعرّت أجندته وعَرِف سواد الشارع العربي والإسلامي أعضاءه وأهدافه.. بعد قيام ثورة الثلاثين من يونيه، وإعلان الثالث من يوليه بسقوط حكم الإخوان في مصر، وعزل (مرسي)، وهتافات (البلتاجي) في ميدان رابعة العدوية بعد السقوط، وهي تكشف عن تلك العلاقة الوثيقة و(العضوية) الوضيعة بـ (التنظيم) الدولي.. من خلال ترديده في (رابعة العدوية) وبأعلى درجات الاستخفاف والاستهتار بـ (الوطن) وكرامته: (إذا أردتم إيقاف الهجمات على الجنود ومراكز الحدود في سيناء.. فأعيدوا الدكتور مرسي للرئاسة)..!! ومن خلال زيارة رئيس الوزراء التركي (طيب أردوغان) المفاجِئة والقلقة على (الإخوان) ومصيرهم في مصر.. إلى زيارات وزراء الخارجية الأمريكيين المتلاحقة.. بدءاً من زيارة «هيلاري كلينتون» المريبة لـ (المرشد) في مقره قبل وصول (الإخوان) إلى الرئاسة.. إلى زيارات «جون كيري» المتكررة لمصر - بعد سقوط الإخوان -، والتي أخذ يُصابح فيها (مصر) ويُماسيها.. مع كل خطوة تنفيذية من خطوات (خارطة المستقبل) إما للاطمئنان على حاضر (مرسي) أو مستقبل (الإخوان).. وهو يؤكد في كل مرة ودون ما داع ٍبأأمريكا لا تريد أن تتدخل في الشأن المصري!! إلى زيارات جميلة الجميلات السيدة «كاترين أشتون» - مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي - للقاهرة بعد سقوط الإخوان.. والتي أصبحت أكثر من زيارات مرضى القلب لـ (أطبائهم)..!!

* * *

على أي حال.. وقبل الدخول في تفاصيل ما فعله (الإخوان) في مصر وبـ (مصر) خلال عام حكمهم الأول والأخير.. لا بد من أن ننصف (المخلوع) مبارك وحكمه الذي أراد أن يورِّث مصر بعد أن نهبها، وباع قلاعها الاقتصادية، وأودى بزعامتها السياسية إلى الحضيض.. حتى حوّلها إلى (تابع) أخرس للولايات المتحدة - وإسرائيل - من خلفها بمليارين ومائة مليون دولار، يذهب نصفها لسداد مرتبات وبدلات الخبراء والجواسيس والمستشارين الأمريكيين في القاهرة.. إلا أنه حفظ لـ (مصر) - على الأقل - بعض مكانتها التاريخية الحضارية وريادتها الثقافية والإبداعية، أما (الإخوان).. نموذج التداول السلمي للسلطة (!!) الذي يبكي عليه الدراويش (!!) فإنهم بدؤوا منذ دقائقهم الأولى في (قصر الاتحادية) بـ (عاصفة) التمكين لجماعتهم.. فـ (الصكوك) وما أدراك ما الصكوك؟! فتأجير (القنال) لمستثمرين ومطورين لها من ذات (التنظيم)!! مع السماح للأتباع والأنصار بـ (تطهير) البلد من الرجس والفجور!!. فكان أول إنجازاتهم قطع رأس تمثال الدكتور طه حسين في مسقط رأسه بقرية (مغاغة)، فتغطية تمثال أم كلثوم في قريتها (طماي الزهايرة).. تأكيداً لـ (الحشمة) وصوناً لـ (العفاف)!! فقتل طالب كلية الهندسة بـ (جامعة السويس) الذي تجرأ وجلس مع خطيبته على الكورنيش البحري لمدينته أمام الرائحين والغادين..!!

لقد كانت تلك هي (البداية).. أيها الدراويش الطيبون، ومع استقرار رئيسهم (مرسي) في قصر الاتحادية.. بدأت سلسلة (كوارثهم) السياسية تتواتر.. بدءاً: بـ (رفض) حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مجلس الشعب وحله، فـ (محاصرة) المحكمة الدستورية العليا.. ومنع قضاتها من الدخول إليها وممارسة أعمالهم!! فـ (إعادة) تشكيل تأسيسية الدستور على هوى (الجماعة)!! فـ (إحالة) صلاحيات البرلمان - مجلس الشعب - إلى مجلس الشورى!! فـ (طبخ) الدستور في ثلاثين يوماً!! فـ (الاستفتاء) عليه بعد خمسة عشر يوماً!! فتحويل الـ (36%) المؤيدة له إلى (أغلبية) يتفاخر بها النظام!! ويدعو إلى التمسك بـ (شرعيتها)!! فـ (إبدال) النائب العام المحصَّن دستورياً من الإقالة أو العزل والذي ترك (الدستور) له وحده: حق الاستقالة أو طلب الإعفاء من منصبه.. بآخر (إخواني) ليبطش بمن تريد (الجماعة) البطش به سواء بمداهمة منزله وتفتيشه.. أو القبض عليه وسجنه على ذمة التحقيق لأربعة أيام أو لخمسة عشر يوماً أو لشهر..! فتفقد (النيابة) إشراقة عدالتها، وتسقط الطمأنينة لها من قلوب المصريين فـ (يهتز) معها (القضاء) حصن الأمة وملجأها..!!

* * *

لقد انتقل حكم (الإخوان) بعد ذلك.. أو بعد تعيين الدكتور هشام قنديل رئيساً للوزراء على وجه الدقة.. والذي كان فعلاً كـ (الخاتم) في إصبع الرئيس أو (الميت) بين يدي (غسّاله) كما هي شروط العضوية لـ (مكتب الإرشاد)، وتم اختيار وزرائه على (فرازة) (المرشد) وتابعه الرئيس مرسي.. إلى مرحلة ارتكاب الموبقات و(الفظائع) في حق الوطن وسلامته وأمنه واستقراره، والتي كان (أولها) الدعوة إلى تشكيل جيش إخواني (حر).. ليواجه جيش مصر النظامي عندما تأتي اللحظة!! وكان (ثانيها) رفض الرئيس مرسي لـ (إغلاق) الأنفاق الفلسطينية غير الشرعية بين (غزة) وسيناء، والتي يتسلل منها جهاديون إسلاميون من كل حدب وصوب، وتتهرب عبرها أسلحة من كل مناطق التوتر المجاورة شرقاً وغرباً.. مع الإبقاء على معبر رفح النظامي!! لتظهر أسباب رفضه فيما بعد في هتافات (محمد البلتاجي) التي كان يجأر ويجهر بها - دون حياء من الله والناس - مراراً وتكراراً.. بـ (إيقاف قتل الجنود المصريين وتدمير مراكز الحدود إذا تمت إعادة الدكتور مرسي إلى (الرئاسة)!! وكان (ثالثها) مهزلة الجلسة التشاورية المذاعة على الهواء تليفزيونياً دون علم أعضائها، والتي دعا إليها الرئيس مرسي لـ (مواجهة) بناء (سد النهضة) الإثيوبي على مجرى النيل.. بـ (ضربه) بالمقاتلات المصرية، وهو ما يعني دخول مصر في حرب (عنترية) لا ضرورة لها ضد (إثيوبيا) الدولة الأفريقية الجارة والصديقة، والحاضنة عاصمتها (أديس أبابا) لمقر منظمة الوحدة الأفريقية.. بمباركة الرئيس عبد الناصر نفسه!! وكان (رابعها).. إرسال متطوعين من (الإخوان) إلى (تركيا) للتدريب العسكري المكثف.. بحجة ظاهرها إعدادهم لـ (القتال) إلى جانب (السنَّة) في سوريا.. وباطنها (العودة) بهم فيما بعد إلى مصر للاستيلاء على مراكز قيادات القوات المسلحة المصرية..!!

* * *

أما بعد مظاهرات الثلاثين من يونيه الحاشدة والمرعبة والتي لم يتصور (الإخوان) قيامها.. وهي تنادي بـ (عزل) الرئيس مرسي والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، والتي تبنّى (الجيش) مطالبها حفاظاً على حياة المواطنين والبقية من هيبة الدولة.. فقد ارتكب الرئيس من (الخطايا) ما يرقى منها إلى مرتبة (الخيانة العظمى)!! عندما طلب في الثاني من شهر يوليه من وزير خارجيته محمد كامل عمرو - وهو لا يزال حتى ذلك اليوم في قصر الاتحادية الرئاسي -: (الاتصال بالدول الأجنبية لطلب تدخلهم عسكرياً ضد الجيش.. لأنه قام بانقلاب على الشرعية)!! تماماً وكما فعل (الخديوي توفيق) عام 1882م عندما استنجد بـ (بريطانيا) للقضاء على ثورة عرابي.. فكان أن قدمت مرحبة لتحتل مصر اثنين وسبعين عاماً لم تنته إلا على يد ثورة يوليو عام 1954م.. بينما كان (الجيش) وحتى تلك اللحظة لم يفعل شيئاً غير أن طلب من الرئيس مرسي دعوة معارضيه إلى (مصالحة وطنية) حقيقية تلم شمل الوطن خلال ثمانٍ وأربعين ساعة.. بعد أن تجاهل طلب (القوات المسلحة) بإجراء تلك المصالحة خلال الأسبوع السابق..!!

فلما حالت (وطنية) وزير خارجيته دون القيام بذلك.. وفضّل الاستقالة عليها، ولم يفلح مستشاره الإعلامي (عصام الحداد) في تحقيق هدف الرئيس مرسي باستدعاء القوات الأجنبية!! ترك المهمة لـ (مرشده).. للرد على جموع متظاهري الثلاثين من يونيه.. إذا قدموا إلى مقره بـ (المقطم)، فكان من سوء حظ بعضهم أن قدموا إلى المقر.. رافعين شعاراتهم ولافتاتهم.. ليصطادهم رصاص بلطجية (الإخوان) الذين تمركزوا فوق سطح المبنى.. فيتساقط الواحد منهم بعد الآخر مضرجاً في دمائه حتى أسفر فجر تلك الليلة الدامية.. عن سبعين قتيلاً!

أما عندما تم فض اعتصام رابعة العدوية.. وتأكد لـ (الإخوان) زوال قاعدتهم العسكرية التي كانوا يراهنون بها على عودة الدكتور مرسي إلى (قصر الاتحادية) إن آجلاً أو عاجلاً، فقد وصل بهم الجنون إلى منتهاه.. عندما أطلقوا زبانيتهم من أطرف المدينة إلى وسطها ليشعلوا النار في مساجدها وكنائسها ومراكزها ومبانيها ومحلاتها.. ليحترق قلب القاهرة الذي عرفه ويعرفه، وأحبه ويحبه كل أبناء العروبة من أطلسهم إلى خليجهم.. فيبكونه كمداً، وهم يبكون الساعة.. التي جاءت بــ (الإخوان) لحكم مصر، وليس الساعة التي أخرجتهم منه.. كما فعل ويفعل دراويش السياسة العرب.. أو بعضهم على الأقل..!

* * *

فهل يريد (دراويش السياسة) العرب عودة هؤلاء (الصغار) لحكم مصر (الكبيرة)..؟! انتصاراً أو فرحة بمبدأ التداول السلمي للسلطة.. وانتقاله من أصحاب (البزات) إلى أصحاب (الجلاليب)، فإن كان يدور في أذهان بعضهم شيءٌ من ذلك.. فـ (الوطنية) ليست ملكاً ولا وقفاً على أصحاب الجلاليب وحدهم.. دون سواهم!! ولا تعوّلوا - إن كنتم تعوّلون - على وجود الولايات المتحدة المفاجئ.. داخل التنظيم الدولي، فهو (تكتيك) حربائي عابر.. أمام إستراتيجيتها الراسخة في الحرب على الإسلام منذ الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م!

إنهم إن عادوا.. وهو (المستحيل) أمام (خارطة المستقبل) المصرية الوطنية المحكمة، فإن (مصر) التي تحبونها، وتعشقون حياتها وترابها ونيلها.. لن تعود!!.

مقالات أخرى للكاتب