Monday 11/11/2013 Issue 15019 الأثنين 07 محرم 1435 العدد
11-11-2013

لحظات في رحلة السكون

في عمق السكون

ترحل كلماتي إليك

تنتزع مني دواعي الشوق

إلي أيامي معك

يا صديقي وقد عزّ الأصدقاء!!

منذ متى لم أكتب إليك؟!

لا شك أن زمناً طويلاً طوته

الأيام والليالي دون أن يخطّ القلم

كلمة واحدة.. ترى من الجاني؟

أنا أم أنت؟

هل أحاسبك أو أقاضيك الآن

وأنا الذي أدعو إلى التسامح؟

لا فليس من العشم حتى التفكير

بذلك.. وإن كنت أعتب عليك،

وأعود متخاذلاً أمام عتابي حينما

أتذكر قول الشاعر:

إن كنت معاتباً صديقك في

كل مرة فلن تجد الذي تعاتبه

في عمق السكون.. اسمع صدى الذكريات فهي معيني في هذا العمق.. تحيله نغماً راحلاً في أعماق ذاتي.. تستوقف خطاي نحو (عشوائية) الانتقاء التي فرضت نفسها يوماً ما على صفحة أيامي، فداخلني الوهم بأنها حقيقة وليست سراباً..

ولكنها - على أية حال - لم ترق إلى مستوى الرسوخ الذي عاد أخيراً ليزيحها بتذكري لك أيها العزيز الأثير إلى نفسي!!

في عمق السكون تتجلى حقائق كثيرة وتتكشف أقنعة كثيرة وتنزاح أستار هي وشركة النفس الضعيفة (صنوان) تلك النفس التي لا تتورع عن التخلص من بعض أنانيتها ولو للحظة لتنصف الآخرين منها وتنصف نفسها من الآخرين!! إنه قدر، أو كما قال الشاعر:

خطى كتبت علينا مشيناها

ومن كتبت عليه خطى مشاها

وهنا يدرك المرء أن الزمن يسخر منه مقهقهاً بصوت مرتفع.. وقد يصمّ أذنيه مسايراً لهذا الزمن، لكن لا بد له من استشعار عزة الإيمان فينفض عن نفسه شقوة الوفاء!! إنها ضريبة لا انتفاع منها ولا فائدة ترجى، فلماذ لا يتخلص منها كالجندي الجريح حينما يتخلص من إحدى ذراعيه عندما لا يبقى منها إلا جزء يسير.. فلا حاجة إلى عملية جراحية تعيدها إلى وضعها الطبيعي، ولكن بترها أولى وأنفع!!

في عمق السكون تعود الهيبة للوفاء، وتنقطع عن المجاملة الزائدة المشوبة بالكذب والخداع.. لأن الأقنعة قد انكشفت والأستار تمزقت..

ولولا ذلك لما كان للسكون عمق، ولما كان له معنى يحلق الإنسان فيه نحو قيم تهاوت وما عادت تحتل مكانها..

ولكن هل السكون صمت؟ لا فهو كلام عميق بعمق السكون نفسه لا يسمع فيه الإنسان إلا صوت الرضا من داخل نفسه الطيبة التي لم تتحرك نحو الشيطان وشركه، وإنما ولدّت شعوراً بذلك الرضا نحو السكون نفسه الذي لا صمت فيه.. ومن أروع أمثلة ذلك ما يشاهده المسلم في موسم الحج كل عام، فالسكون يملأ الكون مهما علت أصوات الضجيج هنا وهناك ومهما نعق الناعقون بدعايات ضد الإسلام، فلا إله إلا الله محمد رسول الله تملأ الكون، والأذان كل لحظة يرتفع في أرجائه، فلله المشرق والمغرب وهو رب المشرقين والمغربين ورب المشارق والمغارب كلها..

تتجلى في موسم الحج معاني السكون بأصوات التلبية والتكبير تنطلق بها حناجر المسلمين الذين جاءوا من كل فج عميق شعثاً غبراً ضاحين، وعذا كله يشيع في أنفسهم معنى السكون أو الطمأنينة فتفيض مشاعر آخذة بتلافيف أنفسهم كأنها تخاطبهم قائله لهم : هنا رحمة الرحيم وغفرانه ودموعكم وهي تنسكب من ما فيكم تغسل ذنوبكم..

مقالات أخرى للكاتب