Tuesday 03/12/2013 Issue 15041 الثلاثاء 29 محرم 1435 العدد
03-12-2013

إنها فاسدة وربي..!!

الصبح الذي يفيق على «كركرة» ضحكة الطفل.. وإشراقة بهجة كفَّين تتلقفانه في حنو..

غداً يفيقُ على محرك الشاشات متابعةً لآخر ما حدث في الليل الدامس.. مزيداً من النار.. مزيداً من الشتات.. مزيداً من الصراعات.. ومزيداً من الراحلين عن بلادهم..

ومزيداً من الأطفال يغوصون في الفاقة.. والمرض.. وزمهرير العراء.. واختفاء ضحكاتهم، وارتفاع نحيب آلامهم..

ذلك «الرعب» الذي كان يصيب الأمهات، بل جميع الناس عند حمل أحد منهم مديِّة صغيرة، لا يتجاوز طولها بنصر الكف، تبدل لإقبال شهي على اقتناء السلاح.. والحصول على ترخيص لاستعماله، وربما يكون في الحوزة بجرأة، حتى الصغير يحمل سلاحه وإن كان في هيئة لعبة.. يتراشق به مع أنداده، ويتبادلون الطلقات، في لعبة إلكترونية، أو تمثيلية في ساحة.. كذلك وهو يلعب وحده في سرد خيال..

ثقافة القتل، ومعرفة أدواته، والتحلل من الشعور بالحذر منه، ذلك الذي تعوده المسالمون في الحياة حين كان صبحها يتنفس على «كركرة» ضحكات الصغار، تغيرت..

تغيرت هذه الثقافة، وحل محلها ثقافة الحرب بكل مقاييسها، وآلاتها، وخططها..

قائل من يقول: هو ديدن التغير، وتبدل الحاجة..

إلا هذه الثقافة، فهي تنم عن تردي الإنسان، وفشله في السلام مع نفسه، ومع غيره، فاضطراره لخوض المعارك مع الضوابط، والتفلت منها..

هذه كانت ثقافة المجتمعات التي هيمن فيها «السطو» بمفاهيمه، ومصطلحاته.. ومن ثم انتقلت بفعل الاحتكاك، والاندماج الكلي بغيرها.. فصدَّرت للمجتمعات الأخرى ثقافتها هذه بكل أشكال وآليات وصناعات التصدير.. مع اتساع مستويات الأهداف، والغايات لهذا الاندماج..!!

لقد أصبحت كل الصباحات تغذي أخبارها النفوسَ بما يبلد الإحساس فيها.. وبما يبرمج التفكير نحو اجتياز ضحكة الطفل.. وبهجة الحضن.. وعذوبة النور.. إلى بيئة تحيط الإنسان بغثائه.. هو هذا غثاؤه العلقمي.. غثاؤه المُزْبـِـد..

ترى أيعود الناس، ولو بصبح واحد، يفيقون فيه على سعادة ضحكات الأطفال.. بمخيلة تثرى بالأحلام الجميلة من أجلهم.. وبأيد تحرثها من أجل أمانهم..؟!!

كل الذي يتناقض على الأرض ليس يشير ولا يطمئن لآتٍ سيفرح كل البشرية المعاصرة.. طالما أصبح الإنسان يتلقى مشاهد الموت، ويتعرف على أساليب القتل، ويُعرَّف بكيفية التعامل مع السلاح، بدءاً بلعب الأطفال، والمراهقين.. وكذلك التي يشاهدها الناس في قصص الترفيه تشيعها، وتنشرها، وتدخلها كل بيت فضائيات الإعلام، وكذلك أخبارُه، وتقاريرُه، وكلُّ الأحداث التي تتنامى على الأرض.. لا تفرح الإنسان، ولا تحفظ له استقرارَ مشاعره، ولا توطِّنُ لسلامه النفسي، ولا تقيمُ فيه ضوابط الاحتراز، ومهابة سطو الإنسان على الإنسان..

إذ انفرط عقد الفضائل، والضوابط، واختلط الجمال بالقبح، وأصبح للسلام ضحايا، هم الناس أنفسهم..

فمتى كان سلام النفوس، وأمان الأماكن، والأرواح تحرزه الأسلحة مطلقاً..؟!

إنها ثقافة العصر الفاسدة..!

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب