Sunday 12/01/2014 Issue 15081 الأحد 11 ربيع الأول 1435 العدد
12-01-2014

منجم اسمه: (التبرعات)..؟!

من الذي يكره دعم الفقراء والمساكين، ونجدة المشردين والمضطهدين، ومساعدة المنكوبين والمحتاجين؛ خاصة في الظروف الحالية الحرجة، التي يمر بها كثير من المجتمعات؛ في أكثر من قطر عربي وإسلامي..؟

لا يوجد عاقل يكره هذا، أو ينكر على دولة أو مؤسسة أو فرد مقتدر، تقديم ما بوسعه للمساهمة في التخفيف من مآسي البشر، الذين ابتلاهم الله، بقيادات ظالمة، وفتن قائمة، واقتتال وتحارب وتناحر لا مبرر له إلا العداء المستحكم بين فئات وأحزاب وجماعات، لا ترى سواها في الميدان، ولا تعترف بغيرها في هذا العالم، كما هو حاصل في أفغانستان منذ أكثر من عقدين.

وفي بورما، وفي الصومال، وفي سوريا وأجزاء من العراق..

دماء الأبرياء تسيل، ونساء وأطفال وشيوخ بين قتيل وجائع ومريض ومشرد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

العمل الخيري الذي يؤدي إلى التكافل الاجتماعي، هو سلوك إنساني حضاري، تحض عليه الديانات السماوية بما فيها الإسلام.

وترعاه مواثيق الدول والشعوب، فهو نابع من فطرة إنسانية مجبولة على الخير في كل زمان ومكان، ومع هذا كله.

لم تسلم هذه الصورة الإنسانية الجميلة؛ من تشويه المشوهين لجمالها، المبتزين من ورائها، المتسترين بردائها، المتلصصين في ساحاتها، سجناء الذوات المريضة، وعباد الدينار والدرهم.

التحذير الصادر عن وزارة الداخلية قبل عدة أيام؛ والموجه لشريحة من الخبثاء الذين يستغلون ظروف الناس للتكسب والإثراء من العمل الخيري.

مستغلين طيبة الناس ونزعتهم الدينية الجميلة في بلادنا تحديداً.. هذا التحذير؛ لم يكن الأول ولن يكون الأخير بطبيعة الحال.

ذلك أن الكل يعرف كيف استغل أفراد وجمعيات وجماعات الحالة الأفغانية فيما سبق، لجمع الأموال باسم الخيرية والتبرعات للمحتاجين في ذلك البلد.

ثم أخذ كثير منها وجهة خاطئة، إما لدعم الإرهاب وتمويل عملياته القذرة في بلادنا أو في بلاد بعيدة، وإما إلى جيوب وحسابات من وثق البسطاء فيهم، وظنوا أنهم وسطاء خير لا شر، وسفراء أمن وسلام، لا سفراء حرب وانتقام، فكم من جماعة إرهابية قامت على أموال التبرعات.

وما زالت تمول منها، وتقتل الأبرياء بسلاحها، وكم من أسماء لبست لبوس الخير والصلاح، أثرت من هذا المنجم الخيري، حتى أصبحت في عداد الأثرياء.

جاء تحذير وزارة الداخلية السعودية الجديد.

على خلفية جمع تبرعات نقدية وعينية دون ترخيص من الجهات الرسمية المختصة قالت فيه: (إنها لاحظت تزايد دعوات جمع التبرعات النقدية أو العينية، وذلك عبر وسائل تقنية متعددة، وادعاء وصول تلك التبرعات لمستحقيها.

ومن بينهم اللاجئون من الأشقاء السوريين).

ونتذكر بهذا الخصوص؛ أن الوزارة ذاتها؛ أصدرت بياناً مفصلاً قبل عدة أشهر؛ حذرت فيه من الانسياق للدعوة لجمع التبرعات غير المصرحة -رسمياً- للشعب السوري الشقيق، لما قد يترتب عليها من عمليات نصب واحتيال.

أو الضياع، أو وصول تلك الأموال لجهات مشبوهة.

ثم أوضحت أن إمارات المناطق؛ رصدت قيام عدد من المواطنين والمقيمين بالدعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لجمع التبرعات العينية.

وتجهيز المواقع في عدد من المساجد وغيرها من الأماكن، وتخصيص شاحنات لتلك التبرعات، بهدف إيصالها للاجئين السوريين في كل من الأردن ولبنان وتركيا دون إذن رسمي.

لاحظوا يا سادة؛ أن كل هذا اللهاث المحموم خلف جمع تبرعات مالية نقدية وعينية؛ سواء من سعوديين أو غير سعوديين، إنما يجري والدولة تعمل جاهدة على فتح أبواب التبرع على مصاريعها.

من خلال مؤسساتها الرسمية، وبالطرق النظامية التي تضمن إيصالها لمستحقيها من إخواننا السوريين في الأردن أو سوريا أو لبنان، أو لآخرين في بلدان أخرى، على هامش الدعم الخيري الكبير الذي تقدمه الدولة لهؤلاء عبر القنوات الرسمية كذلك.

شبهة استغلال المواقف الإنسانية الصعبة في البلدان العربية والإسلامية؛ ثابتة من خلال سلوك المتصيدين والمتحايلين، الذين يعرفون أن نظام الدولة يمنع وبشدة العمل على الدعوة وجمع تبرعات من أيّ كان لأيّ كان، ومع ذلك يمعنون في المخالفة لإرضاء نزواتهم، وتحقيق رغباتهم.

إما بهدف الإثراء أو بهدف دعم جماعات وفئات يميل إليها هو، ونعرف كيف أثرى بعض هذه الجماعات المتطرفة؛ حتى وصل لكراسي الحكم، فانقلب على شعبه يقتل ويدمر بقلوب ميتة.

وهذه تجربة سبق أن عرفناها ومررنا بها يوم كان بعضهم يوجه التبرعات والخيريات للقاعدة وأذنابها، ويمول عملياتها، وينبغي ألا نقع في الفخ مرة أخرى.

وإذا وجد من هو نزيه وسليم النية، ثم يسعى لجمع التبرعات وهو يعرف تعليمات الدولة في هذا الخصوص، فنسأل الله له الهداية، وأن يعود إلى رشده، ويعرف خطأه.

أتساءل هنا: أين وعي المواطن السعودي ويقظته وفطنته..؟ وإلى متى يُستغل هذا المواطن الطيب، ويجري التحايل عليه باسم الدين..؟!

أترك الإجابة، لمن يملك الإجابة.

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب