Thursday 30/01/2014 Issue 15099 الخميس 29 ربيع الأول 1435 العدد
30-01-2014

إلى أين تقودنا هذه الثورة (اليوتيوبية)؟

حتى الآن لم يتضح لنا ما هي بالضبط حدود الثورة (اليوتيوبية) التي تسيطر على عالمنا اليوم ويكفي أن نعرف أن أكثر من مائة ساعة يتم تحميلها على اليوتيوب كل دقيقة ويتفرد السعوديون بساعتين من هذه المائة ساعة بمعنى أن هناك أكثر من 120 ساعة بث في اليوتيوب يقوم بها السعوديون فقط

كل ساعة واحسبها في اليوم والشهر والسنة وأضف عليها أن السعوديين هم الأعلى في نسب المشاهدة لليوتيوب (مقارنة بعدد السكان) وأن أقل من نصف هذه المشاهدات يتم عبر الأجهزة الذكية التي يجدها الإنسان في أي وقت وأي زمن لتتلمس أبعاد هذه الثورة التي أخذت عالمنا كما عرفناه وعالم الورق والطباعة والكتابة التقليدية وكل ما نعرفه من محتويات معرفية بريحها الصرصر العاتية!

التعليم نفسه بوسائطه التقليدية سيتعرض لهزات مميتة وستكون الغلبة في النهاية وكما أرى للتعلم عن بعد وفي أي وقت وعن طريق وسائل متعددة وليس بالضرورة بواسطة المعلم أو الأستاذ التقليدي داخل الفصول الدراسية التقليدية و تماما كما توقعها عالمنا العظيم أيفرت ريمر في السبعينات صاحب نظرية اللامدرسية حين نادى بسقوط المدرسة ! وهو من يومها كان يحاول التنبيه إلى الكلفة العالية للتعليم الرسمي على المجتمعات التي تخصص في العادة أكثر من 20 إلى 25% من ميزانياتها للتعليم وتلتهم رواتب المعلمين 90 % في العادة من هذه الميزانيات إضافة إلى المباني والأدوات التي يمنع على غير المنتسبين لهذه المؤسسات التعليمية من أبناء المجتمع استخدامها خوفا عليها من الاستهلاك رغم أن المجتمع هو من دفع لها! (راقب المنشآت الرياضية للمؤسسات الجامعية أو المكتبات وكيف لا يتاح للعامة استخدامها رغم تكلفتها الهائلة)! هذا عدا عن أننا حقا لا نتعلم الكثير من هذه المؤسسات فعلا ولكن كما يقول ريمر (نقع) في وهم التمدرس! أي نتخيل أننا نتعلم ونحن نذهب هناك فعلا للحصول على الشهادة التي تتطلبها مؤسسات العمل التقليدية وليس بالضرورة أننا نتعلم وانظروا لأطفالنا في المدارس السعودية وتعرفون حفلات التجهيل التي يعيشونها يوميا تحت وهم الدراسة!

إذن وسائل التعلم الحديثة ستفرض نفسها وقيمها المتغيرة سواء أردنا أم لم نرد .. وسواء رغبت الحكومات والمؤسسات الدينية والتقليدية في ذلك أم حاربته ؟ هو يجرفنا معه ويفرض نفسه من خلال صغارنا وشبابنا الذين لا يغادرون أجهزتهم الذكية أو الحاسوبية أولا لأنهم لا يجدون بدائل مثيرة تستجيب لاحتياجاتهم كما يجدونها في هذه الأجهزة وثانيا لأن المدرسة السعودية لا دور رياضي أو ثقافي لها في حياتهم بعد صلاة الظهر وعودتهم غانمين منها بكميات (التمدرس) التي أغطسوهم فيها خلال النهار لذا نراهم قابعين خلف أجهزتهم حتى منامهم وهو ما ساعدنا على أن نحقق النسب الأعلى للمشاهدة على اليوتيوب في العالم!!!

هذه المشاهدات والمشاركات المرتفعة لن تحدث دون تغير قيمي واضح سيشمل المفاهيم الاجتماعية والسياسية والشخصية التي يتبنونها فإن تطرح عملا في اليوتيوب ثم تتلقى كل هذا (الريفيوز) أي الاستعراضات عليها وتبدأ في تقبل وجهات نظر الآخرين الذين يقدمون لك النصائح والإرشادات التقنية والعلمية والفنية دون مقابل وفي أي وقت ودون أن يحملوا لقبا أو شهادة مما يرفع درجة التشاركية العامة ويؤسس لمفاهيم ديمقراطية لا بد أن يسحبها الجيل إلى من يتعامل معهم من سلطة داخل بيته أو سلطة داخل مدرسته أو سلطة داخل مؤسساته الرسمية فتوقعوا الرفض للسلطات المباشرة أبوية كانت أو دينية أو سياسية وتوقعوا وعيا أكبر بالحقوق للفئات المهمشة كالنساء والأطفال والمسنين والعمال والمهاجرين ونحن فعلا نرى ذلك من خلال حياتنا وقوانيننا التي غيرت أمور عمالتنا وأطفالنا ونسائنا لكن القادم أكبر... فاستعدوا!

المحتوى الذي يضعه هؤلاء الشباب لا يحتاج إلى أذن رسمي من سلطة أو مؤسسة ولا يحتاج إلى سجل تجاري أو ملف علاقي ولا حتى موافقة الوالدين طالما قبلت شروط اليوتيوب التي تؤكد على خلو المحتوى من العنصرية أو الإقليمية أو العنف كما نفهمها في حقوق الإنسان الدولية وليس بمعاييرنا المحلية وهو ما سيجعل الكلمة حرة والعمل الفني متقدم مما سيساهم في رفع مستوى الإنتاج الفني في السعودية رغم غياب المؤسسات الفنية تعليمية ومهنية عن الساحة فلا معاهد فنية أو معاهد تصوير أو تمثيل أو موسيقى بسبب المحظورات الدينية لكن الشباب السعودي في اليوتيوب يبدع فعلا حتى تجاوزت بعض مشاهدات أبطاله مثل البتيري ومالك نجر وغيرهم من الشباب ملايين المشاهدات وحصلت على تقدير عالمي دفع شركات عالمية للتعاقد معهم وهو ما يبشر مستقبل واعد ينتصر فيه العمل الفني الإنساني الطبيعي مهما كانت الأسوار عالية!

بل إنك تتعجب كيف تمكن الشباب السعودي من تقنيات الرسم للرسوم المتحركة مثلا أو الإنتاج أو الكتابة الفنية أو التصوير أو خلافه مما تفتضيه متطلبات العمل الفني رغم فقر البيئة المدرسية والعائلية والعامة من مثل هذه النشاطات وهو ما يؤكد مرة أخرى غلبة الميل الطبيعي للإنسان في التمتع بالفنون كما حدث عبر التاريخ ولا مجال لإيقاف ذلك مهما حدث وهو ما قد يبشر بتفتح وانتشار الفنون والمتاحف العامة لدفع مؤسسات الدولة للعناية بها كما في كل بلد على هذه الأرض.

مقالات أخرى للكاتب