Thursday 06/02/2014 Issue 15106 الخميس 06 ربيع الثاني 1435 العدد
06-02-2014

السعوديون وموسم الهجرة إلى البراري!

نحمد لله على نعمائه الغامرة بأنه وحين حرمنا هنا في المنطقة الوسطى من البحر ومياهه الزرقاء الخلابة وشواطئة الساحرة (اللهم لا حسد لسكان المناطق الغربية والشرقية والجنوبية !!) قد منحنا كل هذا الجمال الخلاب عبر صحاري شاسعة تتماوج فيها الكثبان الرملية الحمراء وتزهر الأرض خضراء بنباتات تشق خيالاتنا وتهيج وجداننا حال إن نزل المطر وهذه هي مواسمه اليانعة ولم أصدق عيني نهاية الأسبوع الماضي وأنا أقف على (ضفة الخرارة قرب المزاحمية)

(نعم يا من تملكون الشواطئ !!!) هل تصدقون أنه تكون لنا ضفة بحيرة صغيرة بدا شكلها غريبا وشاذا على كل ما حولها لكن جمالها وتماوج مياهها وإن بدا طينيا ووحلا ولا علاقة له بزرقة مياهكم يا من تملكون الشواطئ لكنه بالنسبة لنا نعمة نحمد الله عليها ونحدق فيها في دهشة لهذه البحيرات الصغيرة التي رزقنا الخالق بها في غفلة من عباده!

وبقدر ما يحق لنا أن نستمتع بهبات الطبيعة الخلابة التي لا يملك أحد حرماننا منها بقدر ما نمتلئ حسرة ودهشة على هذا التدمير المنظم للبيئة من خلال عبث الأنسان نفسه وسوء علاقته ببيئته المباشرة فكل ما حول هذه الهبات الطبيعية قد تحول إلى أكوام من الفضلات البشرية والقمامة وعلب المياة الفارغة وأكياس البلاستيك الزرقاء المتطايرة وغيره كثير يدمي القلب ويدفع بنا للتساؤل عن العوامل الاجتماعية والثقافية التي تسمح للإنسان ودون أدنى شعور بالذنب أن يمارس هذا التدمير المنظم لبيئته المحلية.؟ نفس السؤال طرحته حين قمت العام الماضي برحلة إلى فرسان الجميلة ولم أصدق عيني وأنا القادمة من المنطقة الوسطى القاحلة أننا وككل بلدان العالم نملك هذه الشواطئ الساحرة وهذا البحر المعطاء الذي لم أتذوق أطعم من سمكه لكن وسط عوالم الجمال تصدمك كل هذه القاذورات التي تكومت كالجبال وسط كل الجزر التي زرناها وأسوأ من ذلك كله منظر ميناء جيزان الذي امتلاء سطحه بالقاذورات من كل نوع وبدت الأكياس الزرقاء منتفخة على سطحه الذي تطوف فوقه علب البيبسي... الخ وبجوار كل ذلك تبدو قوارب الصيادين العتيقة والبالية متجاورة بسلام غير مفهوم مع كل هذه القاذورات؟؟؟!!

كيف يمكن لنا أن نفسر ذلك؟

هل يمكن إعادة هذا السلوك إلى ما اعتدنا أن نفعله عبر مئات السنين كبدو رحل نرمي ما نشاء في أرض الله الواسعة؟

كان والدنا البدوي يعيش في الصحراء أو ضمن مجتمعات قروية بسيطة تنتج ما تأكله وما تستهلكه من مواد طبيعية مصنعة من خاماتها المحلية غير الصناعية وحين ينتهي منها يرميها ببساطة في حقله أو بحره أو صحرائه الشاسعة غير قلق من عدم تحللها فهي تعود للأرض فلا تضرها . نحن نفعل ما فعله أبونا القديم لكن الفارق الهائل هو أن مخلفاتنا الصناعية تبقى عشرات السنين كي تتحلل كما في البلاستيك والقصدير وغيرها من المواد التي تم تصنيعها في البيئات الحضرية عكس المواد الطبيعية التي تبتلعها البيئة وتعيد أنتاجها.

طبعا لن أغفل أيضا حقيقة أن علاقتنا في المدن بالطبيعة مشوهة جدا فالإنسان الجديد الذي نقل من بيئة صحراوية وبدوية أو غير حضرية تم زرعه في الغالب داخل المدن الأسمنتية بطرق مشوهة لم تحافظ على علاقته الطبيعية بالبيئة والشجر فظهر طفله المتوحش غوغائيا وغير قادر على إدراك مسئوليته الذاتية تجاه الكون الذي يعيش فيه. هو يأكل فيرمي وهو يستهلك المنتجات الصناعية ويرمي بأغلفتها في أرضه دون إدراك؟

ما الذي يمكن لنا أن نفعله؟

أعرف عن برامج توعية كاملة تنظمها قطاعات حكومية عديدة في مختلف المناطق ولا تزال فأين يقع الخطأ؟ وماهي الحلول؟

لدي قناعة كبيرة بجدوى فرض القانون وتعويد الناس عليه تماما كما نفعل مع ساهر ومع حزام الأمان في السيارة وإذا كانت إمارة فتية كعجمان تفرض أتاوة بمبلغ عشرة آلاف درهم على كل أسرة ترمي مخلفاتها في البرية وتمضي فيمكن لنا أن نفعل ذلك ونلزم الناس بقوة القانون. دولة فقيرة مثل البرتغال تفرض عقوبات صارمة على كافة المنشآت السياحية من قوارب وسفن وخلافه حتى لا تلقي بمخلفاتها في المياه ونجحت تدريجيا في زرع نظام وعي ذاتي يلتزم به كافة البحارة لحماية بيئاتهم وشواطئهم في حين يعيث السياح وأصحاب القوارب بجزر فرسان الجميلة حتى تحولت إلى (مزابل) تفوح منها الروائح التي لا تطاق رغم أنها من أفضل الجزر التي رأيت في حياتي.

هل نتحدث عن دور التعليم في خلق هذه التوعية؟

طبعا من السخرية أن نتحدث عن تعليم يمكن أن يحقق أي تقدم في مجال التربية البيئية حتى لو تضمنت مناهجه عددا كبيرا من المواد التي تتحدث عنها فالمادة بتمثيلها وتطبيقها لكن إذا كان المعلم يفتح علبة الماء الصغيرة ثم يرمي بها من نافذة سيارته وإذا كان المشرف يرمي غلاف التشيبس والأكياس الزرقاء الشفافة في كل مكان لتتطاير وتملأ عرض الطريق هذا طبعا بخلاف الأطفال والسائقين والأهالي فماذا نتوقع؟ ومثل ذلك تفعله مؤسسة الأسرة التي لا يتورع الأب فيها عن إلقاء فضلاته في الشارع باعتباره ليس جزءا من بيته !؟ والأم كذلك الخ

هناك غياب فعلي للشعور بالمسئولية الجماعية تجاه المنشأة العامة لا يحاصر بيئتنا المسكينة فقط بل يهدد كل ممتلكاتنا العامة كالحدائق والمتاحف الفنية والآثار وغيرها وهذه نتيجة طبيعية لغياب مفهوم الحس العام من المؤسسات المباشرة المسئولة عن التنشئة الاجتماعية وهي أولا الأسرة ثم الروضة والمدرسة والمسجد والنادي وغيرها.

قيم المسئولية الاجتماعية واستبطانها داخل الأفراد والتي تظهر لحماية البيئة وحماية الممتلكات العامة شارعا كانت أو حماما أو مصباحا كهربائيا تبدأ من الصغر لكن هل نكتفي الآن بالتأمل والبكاء على الأطلال لأن ذلك لم يحدث ولا أمل في أن يحدث قريبا؟؟.

أعود مرة أخرى لأوكد قوة القانون وفعاليته وما لم تزرعه المؤسسة الاجتماعية تدريجيا فينا يمكن أن يزرعه القانون بقوته كما تفعل كل دول العالم.. المشكلة في الحقيقة هي: هل يشعر المسئول المخول باستصدار هذا النوع من القوانين أن هناك مشكلة أصلا؟ هذا هو لب المشكلة فعلا؟؟

مقالات أخرى للكاتب