Thursday 06/02/2014 Issue 15106 الخميس 06 ربيع الثاني 1435 العدد
06-02-2014

الترحم على زمن الفقر والجوع والمرض

كثيراً ما أسمع تمللا في الشارع السعودي من بطء المسيرة الاقتصادية، وذلك بين المثقفين والأكاديمين فضلا عمن دونهم.

وأكثر ما يؤلمني قول بعضهم، إننا لم نر شيئا ما عدا الابتعاث، وأننا كنا في وضع اقتصادي أفضل فيما سبق، فلا تضخم ولا ديون ولا أزمة سكن.

وفي الواقع إنه باستثناء أزمة الأراضي والإسكان ، فإن في هذه النظرة خلطا وإنكارا قد يكون غير مقصود من قائله، ولكنها النظرة السطحية وخلط الأمور وعدم تفكر الرجل فيما يقوله.

فقد مرت بلادنا والخليج عامة بمرحلة اقتصادية صعبة لعقدين من الزمان بدأت من منتصف الثمانينات، مع انحسار عوائد البترول وتضاعف كلفة الرواتب على الدولة إلى خمسة أضعاف تقريبا، بسبب تثبيت سعر صرف الريال رغم انخفاض أسعار البترول.

فخلال هذه الفترة اُستهلكت كل التنمية والبنية الاقتصادية التي خلقتها الطفرة الأولى للبترول.

فقد ركزت الطفرة الأولى على البنية المادية الاقتصادية، وتجاوزت عن البنية الفكرية العلمية.

وهذا هو الخطأ الإستراتيجي الذي وقعت فيه دول الخليج كلها، وهو الذي تقوم بلادنا بتصحيحه والتركيز عليه أكثر من كل دول الخليج في الوقت الحاضر.

فالبنية الاقتصادية المادية تُستهلك ولا تنمو وتحتاج إلى ضخ أموال مستمر، بينما البنية الفكرية العلمية إذا ما تأسست، أصبحت تنمو وتتطور وتتوسع من تلقاء نفسها.

(ولو نظرنا للتاريخ الإسلامي، فإننا سنجد أن الحضارة العلمية الإسلامية تأسست بقوة في عهد المأمون، ثم أُهملت بل وحوربت من بعده، ومع ذلك استمرت لقرون وتطورت تطورا لا بأس به إذا اعتبرنا المقاومة التي واجهتها).

والطبقة الوسطى التي يُقال أنها بدأت تنحسر الآن، هي مشكلة تتفرع من تجاوز التنمية الفكرية العلمية في الطفرة الأولى. فالطبقة الوسطى عندنا لم توجد إلا بعد طفرة البترول الأولى.

ووجود هذه الطبقة كان اصطناعيا لا حقيقيا.

فالثورة الصناعية هي التي أنتجت الطبقة الوسطى، وهي الطبقة الإنتاجية الصناعية، ولم تكن هناك طبقة وسطى في التاريخ البشري من قبل.

والطبقة الوسطى عندنا والتي قامت بعد الطفرة الأولى، إنما قامت على الرواتب الحكومية والعطايا، لا على الإنتاجية الصناعية والخدمية.

وقد كانت عوائد البترول تكفي لعدد السكان البسيط، لتخلق فيهم طبقة وسطى.

إذا، فليس صحيحا أن الطبقة الوسطى بدأت تنحسر، بل إنها لم تنمو نسبة وتناسبا مع النمو السكاني.

وأعتقد أنه لو قامت إحصائيات جيدة عندنا لوجدنا أن الطبقة الوسطى الحقيقية المنتجة - لا المصطنعة- قد نمت نموا معتبرا في السنوات الأخيرة.

ومن جهة أخرى، ففي الواقع أن البلاد قد وصلت قيمتها البينية المحاسبية إلى الصفر قبل الطفرة، مع تضاعف عدد السكان ثلاثة أو أربعة أضعاف.

والنمو الحقيقي كان سلبيا -أي أقل من الصفر- حتى وصل دخل الفرد السعودي في بداية الألفية الثانية إلى مستوى دخل الدول الفقيرة.

(وأذكر أنني اشتريت سي دي معلومات اقتصادية من البنك الدولي بأرخص سعر مخفض، لأن السعودية كانت مصنفة آنذاك مع الدول الفقيرة، اعتقد وصل دخل الفرد حوالي خمسة أو ستة آلاف دولار).

وباستثاء الإسكان، فلا يخلوا مجال من مجالات التنمية الاقتصادية إلا وقد تضاعف نوعا وكما، ولكنه يعمل بأثر رجعي ليستدرك الفجوة الحاصلة، فلا يستطيع التغطية الكاملة وخاصة مع ارتفاع توقعات الناس. وقد نسى الناس أن دخول الجامعة كان من أصعب الأمور وأعقدها.

وأنه تقريبا في بداية الألفية الثانية لم تكن هناك خدمة طبية تقريبا، ولم يكن هناك ثقافة السفر والسياحة التي أصبح غالب السعوديين يمارسونها اليوم، والتي هي دليل قوي على ارتفاع دخل السعودي لا انخفاضه كما يشاع.

وفي فترة الجفاف الاقتصادي التي يزعمون أننا كنا أحسن حالا فيها، لم يكن هناك تضخم لأننا لم نكن ننمو ولم يكن هناك ارتفاع في اقتصاد الطلب.

وقد أدركنا التضخم اليوم نعمة من الله ومنة، بسبب النمو الاقتصادي وارتفاع الطلب.

والرواتب والدخول قد تضاعفت تقريبا، ولكن من يشكر من الناس، ولهذا قال تعالى في صفة بني آدم عموما {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.

لقد كان الاقتصاد في حالة جمود يلتقط أنفاسه في العناية المركزة، فكان الناس يعيشون يومهم دون أمل حتى أتى الله لنا بهذا الملك الصالح وأجرى على يديه خزائن الارض فسخرها في تنمية الاقتصاد والعلم والادخار للمستقبل. وقد قيل أن البلاهة العامة تبعث الطمأنينة في المجتمع.

فلما فُتح باب الخير وأصبحت كثير من المستحيلات أمورا محققة، استيقظ الناس وأخذو يتباكون حالتهم الأولى وينشدونها، فد كانوا نائمين بل مخدرين في العناية المركزة.

إن الجحود والنظرة الطفولية أمر مؤلم وخاصة إذا كان في المتعلمين والمثقفين.

إن الذين يقولون ويروجون بأن وضعنا اليوم أسوأ من وضع الأمس، ويتمنون العودة للأمس كمن يزور أطلال قرية أجداده على ظهر سيارة فارهة ومعه خادمة ومربية وقد أنهى للتو استحماما دافئا بعد أن استيقظ من فراش وثير تلحف فيه من برد المكيفات وأخذ مسكن ألم لظهره ودواء لقلبه، ثم نظر لهذه الأطلال ومراحيضها الخارجية وحظائر حميرها وأقبية سكن خدمها، والمقابر الجماعية من الأوبئة والمجاعات والغزوات، فقال: كان زمانهم أجمل من زماننا فيا ليتنا نعود إليه!!!!

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب