Saturday 08/02/2014 Issue 15108 السبت 08 ربيع الثاني 1435 العدد
08-02-2014

الأمير خالد الفيصل والمعرفة!!

يظل هاجس المعرفة متيقظاً في النفوس، تغرّد له الجوانح زهواً وافتخاراً، وتُستمطر به ديمةُ التفوق، ويُستبطن بواسطته المنجز الحضاري عبر نواصع التاريخ؛ نظراً لتعدد أدوات هذه المعرفة ووسائلها وأساليبها وميادينها، ولأن الوعي المعرفي أصبح ضرورة من ضرورات هذا العصر في ظل متغيّراته الحادة علمياً وتقنياً وصناعياً، ولاسيما ما يستجد بصفة مستمرة في ميدان الإعلام ووسائط الاتصال وتقنياتهما.

هذه الأهمية الجلية للمعرفة بمصطلحها العام أنتجت محاولات هنا وهناك، في هذا الميدان أو ذاك؛ لتقريب مفهوم المعرفة، أو لتنميته، وكما يضغط الدواء في كبسولات - وربما كان الضغط سمة من سمات هذا العصر - اجْتَهَدَتْ كثير من المحاولات لضغط المعرفة في أوعية معرفية ذات صبغة معينة تكون قادرة على جلب الوعي المعرفي بصورة جذابة ومشوقة، وفعّالة في ذات الوقت.

في الميدان التعليمي والتربوي تبدو الأهمية أكبر وأوضح سطوعاً ودلالة؛ لأن المعرفة هي مادته الخام، فهي قوام حياته أو موته، وأسباب نجاحه أو إخفاقه، ولذا فقد أخذت مسيرتها أشكالاً متنوعة، وحفرت أهدافها في النفوس أبعاداً عميقة لتشكيل بُنى فكرية قادرة على تحفيز الإنسان معرفياً نحو تشغيل عقله وتفعيل مدركاته بالعلم الشرعي والفهم الصحيح لمقاصد النصوص.

والظروف المعاصرة بما فيها من غلبة للجوانب المادية وقصور في بعض الجوانب الأخلاقية مُهيأة لقبول هذا المنهج المعرفي وليست طاردة له كما يزعم ذوو النظر المتعجل والأفق الضيق؛ لأن فقدان العناصر الإيجابية للبقاء والمقاومة عند الإنسان يعني في الجانب الآخر استعداده للبحث عما يروي ظمأه ويشبع نهمه بما يوافق فطرته السوية، وهذا هو ما يحمله المنهج المعرفي المتوازن، فالحاجة إليه اليوم أشد.

وفي ضوء هذه الحقيقة البازغة يمكن التعرف على سبب تعدد المحاولات المعرفية في هذا الميدان، ويمكن بالتالي التفسير الصحيح لتنوع طرائق وأساليب هذه المحاولات؛ لاستجلاب النجاح، وربما التفوق أيضاً، في ساحة تموج بالإمكانات، وتتنازعها الجواذب.

ويبقى السؤال مشروعاً، في المملكة العربية السعودية: ماذا عملت وزارة المعرفة؟

محاولاتُ تنمية المعرفة، وتنويع أدواتها ووسائلها وطرائقها من وزارة التربية والتعليم لا تزال -في نظري- محاولاتٍ خجولة؛ لأنها تركز على الجانب الإداري -التعاميم والتعليمات ونادراً اللوائح التفسيرية- بينما لا تجد فيها ما يلبي معطيات وظيفتها التربوية، التي لا بد أن تتجاوز حجرات الدروس إلى ساحات المجتمع والأمة، والإدراك الواعي لضرورة تعدد الوسائل والأساليب التربوية التي لا بد أن تأخذ بها، وأنه لا يصح أن تقف عند حدود الطباشير والسبورة أو الكتاب المدرسي أو الشكليات فحسب!!

وليسمح لي سمو وزير التربية والتعليم أن أضرب مثلاً يؤكد حكمي على الوزارة بـ(مجلة المعرفة) التي تصدرها الوزارة؛ ففي شهر رجب من عام 1424هـ احتفلت المعرفة -المجلة والكائن- بصدور العدد المئوي أي العدد رقم 100، وهو رقم ليس بالكبير، لكنني أجزم أن العمل الذي كان وراءه كان كبيراً، وأن الطموح استشرافاً، وربما إذا صدق توقعي تخطيطاً كذلك كان أكبر من الكبير. والطموح مشروع لربان سفينة المعرفة -المجلة- ولمحبي المعرفة -الكائن- تطلعاً نحو العدد الألف، والسنة المائة، فالنجاح يغري والإثمار يفجر الطاقات، لكن الماء لا يكذب حين يدعي الغطّاس!! حتى صدر العدد 226 فتساءلت حينئذٍ: هل تحقق شيء من الطموحات؟

أما رأيي الشخصي فقد كانت هيئة التحرير السابقة بقيادة أخي الدكتور زياد الدريس قادرة على تقديم مادة «كاملة الدسم المعرفي» وأكثر جرأة في طرح هذه المادة مما هي عليه الآن، حيث أصبحت مجلة المعرفة مثل أضعف المجلات السيّارة، بل حتى في الشكليات لم تتطور المجلة، وفور تولي سمو الأمير خالد الفيصل الوزارة أبرزت المجلة صورته الشخصية في موقعها الإلكتروني وأنى لها أن تنساها. في حين يصعقك العجب حين تفتح نافذة «من نحن» فتكون الإجابة: مجلة المعرفة، وحين تفتح نافذة «هيئة التحرير» فتأتيك الإجابة: هيئة تحرير المجلة، وحين تفتح نافذة «الاشتراكات» فتجد: الاشتراكات، ونافذة «كتاب المعرفة» فتجيبك: كتاب المجلة، فإذا لم يكن هذا الاختصار المخل نتيجة عجز فهو نتيجة إهمال.

فهل نجد من سمو الوزير إحياءً لوظيفة الوزارة المعرفية بما يواكب مستجدات البحوث والمعطيات في العالم، وأن يبدأ بمن يعول أعني «مجلة المعرفة» فتطالعنا بطرح معرفي عميق وجذاب يتسع لكل قضايا الفكر والمعرفة؟!

هذا وبالله التوفيق..

ibrahimalsmari@yahoo.com

عضو الجمعية العلمية السعودية للدراسات الدعوية عضو مجلس أمناء جائزة ماضي الهاجري للتميز

مقالات أخرى للكاتب