Thursday 20/02/2014 Issue 15120 الخميس 20 ربيع الثاني 1435 العدد
20-02-2014

جدل التكرار وجدلية الإبداع..

يعيش العالم العربي بمختلف أطيافه في الوقت الراهن في ثنائية مغلقة من الجدل السياسي، والذي وصل إلى مراحل متقدمة، لكنها تعبر عن ضيق وربما شلل العقل العربي، والذي أتصف خلال القرن الماضي بالسطحية التي غابت عنها ثقافة العمل، كما عبر عنها الإمام الأوزاعي - رحمه الله- بقوله «إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل»..

من خلال نظره للخلف سنعرف أننا أمة تعيش خارج العالم، فالجدلية التي عاش فيها العرب منذ مائة عام، لم تكن إلا جدلية سياسية عقيمة، تحكمها ثنائية الصراع بين تيار العسكر وتيار الإسلام السياسي، لكنهما يتصفان بميزة نادرة، وهي أن أحدهما يولد من الآخر، أو بمعنى آخر كليهما يتشوق أن يتحول لنقيضه.

يتحدث المؤرخون أن جمال عبدالناصر خرج من ثكنة إخوانية ليقود الانقلاب على الملكية، لكن ما أن وصل إلى الحكم حتى نكل بالإخوان، ثم دفعهم؛ إما للسجون أو إلى الهجرة خارج البلاد، وفي عهده ولد ما يُطلق عليه بالناصرية التي كانت أحد وجوه دول العسكر، وحظيت بشعبية عربية طاغية في الستينيات، لكن ما أن سقطت في عام النكسة بدأت رحلة ميلاد فكر الإسلام السياسي، والذي شهد تحول الملايين من أنصار القومية العربية إلى دعاة في سبيل الله، وقد كانت الصحوة الإسلامية ذروة تلك المرحلة، والتي ما لبثت أن تهاوت أمام إحياء الفكرة الناصرية مرة أخرى، وميلادها مرة أخرى من رحم الحراك الإخواني.

كان هناك تجربة مماثلة في الجزائر، كما تشهد الدول العربية الأخرى عودة للعسكر، بعد أن توجس العرب خوفاً من تيار الإسلام السياسي، وقد نشهد عودتها في ثياب الناصرية قريباً في ليبيا، وربما في اليمن، وستكون سوريا لا محالة ميداناً مفتوحاً لصراع مرير بين العسكر والتيارات الإسلامية بعد الانتهاء من الحكم الطائفي، والسبب أن العالم العربي يعيش في حلقات من التكرار، كما هو الحال في تاريخهم السياسي الذي يمتد لقرون، والذي تميز بتكرار حلقاته السياسية، تماماً مثل مقامات الموسيقى العربية، وأشكال الزخارف العربية، والتي هي مجرد حلقات متكررة من أشكال تقليدية.

بينما كان الحال مختلفاً في الغرب، فقد تجلت الجدلية التاريخية في توالي للإبداع بدءاً من القرن الثامن عشر، فقد كانت هناك أحداث هائلة تمر بها القارة الأوروبية وأمريكا، وذلك عندما قام العالِم المشهور «وات» باستغلال البخار في الصناعة لأول مرة عام 1775م، في نفس العام، يصدر كتاب أدم سميث «بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم»،ثم نشر الفليسوف كانط كتابه «نقد العقل المحض» سنة 1781، وفي عام 1783م، ينجح لافوازيه في تحليل الماء. ويتم صهر الحديد وتشكيله بنجاح، وفي عام 1789م، هبت الثورة الفرنسية، واحتل الثوار سجن الباستيل، وتم اعلان حقوق الإنسان والمواطن، وظهر كتاب بنتام «مبادئ الأخلاق والتشريع»، وفي عام 1790م، ظهر كتاب «نقد ملكة الحكم» للفليسوف كانط.

في عام 1792 تم اختراع آلة حلج الأقطان، وفي عام 1806م، سقطت مدينة جينا في يد نابليون بونابرت، واقتحم جنود بونابرت منزل هيجل، إلا أنه تحت هذه الظروف أكمل كتابه «ظاهريات الروح»، وفي عام تم استخدام أول خط للنقل الحديدي في العالم سنة 1830 الرّابط بين مدينة ليفربول ومانشستر بإنجلترا. ومنها انتشرت السكك الحديدية لتشمل ألمانيا وفرنسا، إذ تم صنع أول مولد كهربائي على يد البلجيكي قرام سنة 1869، وتم بناء أول سد لتوليد الطاقة الكهربائية سنة 1870، واختراع أول محرّك كهربائي سنة 1882.

في عام 1903يقوم الأخوان رايث بأول تجربة ناجحة للطيران على طائرة بمحرك، وفي عام 1905م وضع ألبرت أينشتاين نظريته الشهيرة نظرية النسبية، في عام 1923م يخترع فلديمير زوريكين كاميرا التليفزيون، في عام 1924م يكشتف إدوين هابل أول مجرة خارج مجرتنا، في عام 1927م لومير يقترح الانفجار العظيم لتفسير أصل الكون، في عام يكتشف 1928 الكسندر فليمنج يكتشف البنسلين، في عام 1952 أنتج جوناس سالك أنتج أول لقاح ضد شلل الأطفال.

وفي عام 1957م يطلق الاتحاد السوفيتي القمر الصناعي سبوتنيك، وفي عام 1967 يجري كرستيان برنار أول عملية زرع قلب للإنسان، وفي عام 1969 أولى خطوات الإنسان على سطح القمر يخطوها رائد الفضاء الأمريكى نيل أرمسترونج، في عام 1983م لوك مونتانيبر وروبيرجالو يعزلان فيروس HIV الذي يسبب مرض فقدان المناعه الإيدز، ثم تبدأ استخدامات الإنترنت، وهكذا يستمرون في حلقات من الإبداع المتوالي، بينما لا زلنا نعيش في عقلية داحس والغبراء: داحس العسكر وغبراء الإخوان.

كل ما ولد ينبغي أن يموت»، هذا القول لغوته، وهي «أن الأشياء لا تظل أبداً على ما هي عليه، إلا في عالم العرب، فالأشياء لا تموت ولكن تتكرر في صورة متطابقة لدرجة غير عاديه، لدرجة أن هذه الشعوب تعيش في نفس الجدل منذ عشرات القرون، ولن أستغرب إن عاد عبدالناصر ورجع عصر الشعارات، وربما نرى في المستقبل عودة أخرى للتيارات الإسلامية في أنماطها القديمة، وهكذا عصور من التكرار إلى ما لا نهاية.

مقالات أخرى للكاتب