Sunday 02/03/2014 Issue 15130 الأحد 01 جمادى الأول 1435 العدد
02-03-2014

عنز ولو طارت!

هذا من الأمثال الشعبية الدارجة. وتُنسَب المقولة إلى رجلٍ كان يماشي رجلاً فرأيا كائناً من بعيد، فقال الأول: هو عنز. وقال الثاني: بل هو غراب. واقتربا فكان لون الكائن أسود، لكن الأول أصر على أنه عنز. فاقتربا أكثر، فظهر جناحاه والغراب يحركهما. قال الثاني: ألا ترى هذا؟ إنه غراب. لكن الأول قال: بل هو عنز، وهذا هو الهواء يحرك شعرها! ومع المزيد من القُرب هتف الثاني: يا هذا، انظر إلى الغراب وهو يقفز في مشيته! كيف لا تغيِّر رأيك؟ لكن الأول أبى قائلاً: بل هو عنز! وهي تقفز؛ لأن قدمها قد تكون مكسورة! وما هو إلا قليل حتى طار الغراب، فالتفت الثاني إلى الأول، وقال: هل صدقتني الآن؟ أليس واضحاً أنه غراب؟ فنظر إليه الأول وعليه أمارات الغضب وصاح: بل هي عنز! عنز ولو طارت!

يُضرَب هذا المثل لمن يحب الجدال العقيم، وكذلك لمن يُصرّ على رأيه إصراراً يفوق الحد، وحتى لو ثبت خطأ كلامه فإنه يتمسّك برأيه عناداً وكِبْراً، ولا يهمه أن يبدو بمظهر الأحمق الذي يخالف الواقع والحقائق. ولا شك أنه قد مر على المرء بعض هؤلاء. والأفضل أن يُترَكوا بمجرد أن يظهر أنهم من طائفة «عنز ولو طارت»؛ لأن الجدل لا نفع منه. لكن تكون المشكلة إذا كان أحدهم في موقع مسؤولية وإدارة؛ فهنا الطامة.

ومن القصص الحقيقية قصة حصلت لمايكل كرايتون.

الكاتب الأمريكي الراحل مايكل كرايتون كان من مشاهير كتّاب الروايات، لكن لما كان يدرس في جامعة هارفارد المعروفة مر بمشاكل كثيرة مع أستاذه؛ ذلك أنه كان يدرس في قسم اللغة الإنجليزية راغباً في أن يكون كاتباً في المستقبل، غير أنه مهما حاول وأبدع كان أستاذه يعطيه علامات متدنية، ولم ينفع الاعتراض والسؤال. وبعد فترة غضب كرايتون، وشكَّ في أن الأستاذ يتعمد إعطاءه هذه العلامات المنخفضة، وأراد أن يثبت هذا، فلما كان عليه تسليم أحد الواجبات ذات مرة أخذ عملاً أدبياً من كتابات جورج أورويل (صاحب رواية «1984» الشهيرة واحد أعظم الأدباء الغربيين)، ووضع اسمه عليه، وسلّمه للأستاذ، فماذا كانت النتيجة؟ تظن أن الأستاذ أُعجِب بهذه الكتابة البديعة، وأعطاه أعلى درجة؟ لا، لقد أعطاه درجة متوسطة! وأثبت كرايتون شكوكه بهذه الطريقة، ولما يئس من أن ينصفه الأستاذ غيّر تخصصه إلى علمٍ آخر.

نعم، إنها مصيبة أن يكون المسؤول أو المدير من طائفة «عنز ولو طارت»! لكن كانت الضحكة الأخيرة من نصيب مايكل؛ ذلك أنه فيما بعد تخصص في الكتابة، وكتب روايات عدة، حُوِّلَت إلى أفلام، أشهرها فيلم الحديقة الجوراسية الذي ظهر عام 1993م مُعتمداً في قصته على رواية لمايكل، ونجح نجاحاً هائلاً، واغتنى مايكل من رواياته، وذاع صيته، ولا أدري ما حصل لأستاذه العنيد، لكن أظنه رأى النجاح الهائل الذي حظي به مايكل فزمجر قائلاً: مايكل كاتب فاشل.. ولو نجَحَ!

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب