Sunday 09/03/2014 Issue 15137 الأحد 08 جمادى الأول 1435 العدد
09-03-2014

هذه نتيجة سوء الإدارة

أن يجتهد موظف مبتدئ قليل المعرفة قليل الخبرة، ويخطئ في تنظيم ملف أو توجيه معاملة، فذاك أمر متوقع، وبالإمكان تقبُّل خطئه، وتفهُّم موقفه، بشرط أن ينبَّه إلى عدم تكرار ذلك. ولكن عندما يأتي الخطأ من جهة حكومية، لها تاريخ طويل في الإدارة، جهة أوكل لها رعاية صحة الناس ومعالجتهم والمحافظة على أرواحهم؛ وبالتالي يفترض أن تكون جاهزية هذه الجهة تامة، وقراراتها محكمة، ورؤيتها واضحة، وأن للوقت عندها قيمة عظيمة تفوق ما هو متعارف عليه عند غيرها، الوقت المحسوب بالثواني فضلاً عن الدقائق، للثانية عند هذه الجهة أثره في تحوُّل الإنسان من حال إلى أخرى..

تعالوا نستعرض حالة شاب في الثالثة والأربعين من عمره، بدأت معاناته مع هذه الجهة التي لا بد أن تقيم موقفها من قيمة الوقت وأهميته. بدأت المعاناة من مساء السبت 22-4-1435هـ؛ إذ شعر هذا الشاب في البدء بصداع وألم في الرأس، دخل بعدهما في شبه غيبوبة. استدعى الأهل سيارة الإسعاف، ونُقل حالاً إلى مشفى حوطة سدير. كانت الساعة نحو الواحدة والنصف من صبيحة يوم الأحد، وكان يحرك يديه ورجليه. استُدعي الأخصائي، وكان الضغط مرتفعاً. عُملت أشعة مقطعية للدماغ، وتبيّن وجود نزيف حاد بالدماغ. ونظراً لعدم قدرة المشفى على معالجة الحالة؛ ما يستلزم نقله للرياض، أُعِدَّ عن حالته تقرير بعنوان «إنقاذ حياة». وحسب التعليمات لدى المشفى، أُرسل التقرير إلى قسم الطوارئ في الشؤون الصحية بالرياض، وبعد نحو ثلاث ساعات - لاحظوا ثلاث ساعات - جاء التوجيه بنقل المريض إلى مشفى الإيمان بالرياض.

فرح أقرباء المريض ـ ولو أن الرد جاء متأخراً جداً ـ فرحوا أن وُجد للمريض سرير في مشفى الإيمان؛ فالحالة لا تتحمل أي تأخير. انطلقت سيارة الإسعاف من مشفى حوطة سدير نحو الرابعة والنصف فجراً، ووصلت لمشفى الإيمان نحو السادسة والنصف صباحاً.

وفي هذا المشفى بدأت المعاناة من جديد؛ فقد تبيّن أن المشفى غير مؤهل لاستقبال مثل هذه الحالة. ومما زاد الطين بلة أنهم لم يقبلوا التقرير الطبي الذي أُرسل إليهم من مشفى حوطة سدير، وبناء عليه سوف يعملون أشعة مقطعية أخرى وتقريراً طبياً يُرسل لعدد من المستشفيات في الرياض؛ لعل من بينها من يقدر على معالجة الحالة. طالب أقارب المريض بالاستعجال في عمل الأشعة والتقرير؛ فالحالة لا تقبل التأخير؛ إذ كان عنوان التقرير المعد سابقاً «إنقاذ حياة». مضت الدقائق تلو الأخرى، بل الساعة والساعتان، ولم تُعمل الأشعة. وبعد متابعة واستفسار قيل لهم «المختص غير موجود». وفي نحو العاشرة عملت الأشعة، وأُعد تقرير، بُعث نحو الساعة الثانية عشرة إلى عدد من المستشفيات للاستفسار عمن يقدر على معالجة الحالة؟ هل سمعتم بأعجب من هذا وأغرب؟ وفي نحو الساعة الواحدة رد أحد المستشفيات الحكومية «لا يوجد له علاج عندنا، وننصح بتحويله لمدينة الملك فهد الطبية أو المستشفى العسكري»، وبناء على هذا خاطب مشفى الإيمان قسم الطوارئ بالشؤون الصحية، وجاء الرد من قسم الطوارئ «لا بد من إجابة على الأقل من مستشفيين حكوميين بتعذر معالجة الحالة عندهم حتى نتمكن من تحويله إلى مشفى خاص».

توقفت طويلاً أبحث عن مفردة تصف الموقف، وتصف البشر الذين يديرونه؛ فالحالة التي هم بصددها بحاجة إلى «إنقاذ حياة»، ومضى على وجودها في مشفى الإيمان أكثر من ثماني ساعات دون تلقي علاج، وهي حالة حرجة. عجيب أمر هؤلاء! المهم، في نحو الساعة السادسة مساء جاء التوجيه بتحويل الحالة إلى أحد المستشفيات الخاصة، وفي الوقت نفسه أفضت روح المريض إلى بارئها، رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته.

ومع رحلة العذاب المخجلة تتبادر التساؤلات الآتية: لماذا يُحوَّل المريض إلى مشفى الإيمان وهو غير مؤهل لمعالجة الحالة؟ لماذا لم يكتفِ مشفى الإيمان بالتقرير المعد عن الحالة بدلاً من تضييع الوقت في إعداد تقرير آخر؟ لماذا لا يتوافر لدى قسم الطوارئ بالشؤون الصحية معلومات عن المستشفيات وإمكاناتها العلاجية؟ لماذا شرط الرد من مستشفيين حتى تُحوَّل الحالة إلى مشفى خاص؟

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب