Sunday 16/03/2014 Issue 15144 الأحد 15 جمادى الأول 1435 العدد
16-03-2014

مجرد أباطيل

أباطيل جمع باطل، وهو اسم يطلق على (ما لا ثبات له عند الفحص عنه)، البعض يحلو له أن يطلق العناوين البراقة، ويرسم الصُّور الوردية الجميلة، ويحيط جهوده بالكثير من الإطراء، ويبث الأخبار المفرحة عن العزم على البدء في التعامل مع ما يداعب الأماني والمشاعر ويفرحها، مما يحقِّق للناس بعضًا مما يساعدهم على الحياة الكريمة، بعد هذا كلّّه، ألا ويفاجأوا بأن كل ما ذكر ذهب أدراج الرِّياح، والشواهد على هذا السلوك كثيرة، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات والحكومات.

تتداعى إلى الذاكرة قصيدة كعب بن زهير في محبوبته “سعاد”، وهي من القصائد التي مازالت محفورة في الذاكرة حيث كانت ضمن مقرّر “الأدب والنصوص” المقرّرة على طلاب المرحلة الثانوية، أذكر من المواقف الطريفة عندما كنّا طلابًا أن معلم اللغة العربيَّة طلب من أحد الزملاء قراءة قصيدة “كعب”، وقف الزميل وهو في منتهى الحماسَّة:

بانت سعاد فقلبي اليوم مُتَبول

تعالت ضحكات الطلاب عندما قرأ كلمة “متبول” بضم الميم، وفتح التاء، حيث انقلب المعنى بشكل لا يخطر على البال.

تداعت قصيدة “كعب” حيث ينطبق الوصف على “سعاد” لكونها لم تف بالوصل الذي قطعته على نفسها لكعب، وقد عبَّر بقصيدة في غاية الجمال عن خيبة أمله في “سعاد” رغم إعجابه بها، وكان من بين أبياتها:

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا

وما مواعيدها إلا الأباطيل

من المؤكد أن طبع “سعاد” و”عرقوب” المتمثّل في إطلاق اللِّسان على عواهنه كي يعبّر عن مكنونات النَّفْس ورغباتها وأمنياتها حتَّى وإن لم تكن صادقة ممكنة أو حقيقية، والمتمثّل في تجسيد الأماني حتَّى وإن كانت زائفة، ومداعبة المشاعر بمعسول الكلام، وبما تطرب له آذن اللهثين وراء سماع الأخبار المفرحة، والدعايات الفارغة، المؤكّد أن هذا الطبع البغيض لم يعد مقتصرًا على “سعاد” وأخواتها، أو “عرقوب” وأشباهه، بل جد في الساحة ما بزهما، وتَغلَّب عليهما، حيث عمد إلى تضخيم أمور ما إن تبحث عنها لتتحقق من صحتها إلا وتفاجأ بأنها مُجرَّد أحبار رديئة على أوراق صفراء بالية، إنها ما يسمى “المشروعات” التنموية التي يعلن عنها سنويًّا في قوائم الميزانية المعتمدة في بعض الأجهزة الحكوميَّة.

المؤكّد أن عناوين هذه “المشروعات” على اختلاف مجالاتها التنموية، تُعدُّ صحيحة وضرورية، وأن الحاجة لها ماسَّة، وأنها تلامس حاجات الناس ومصالحهم، وأن الشَّوق لرؤيتها على أرض الواقع يعد مما يبعث في النَّفْس الفرح والسرور، ولا سيما أن هذه المشروعات يُعدُّ من ضرورات الحياة الاجتماعيَّة، لكونها ذات صلة إما بالتَّعليم أو الصحة أو الإسكان أو المياه أو الكهرباء أو الطرق.

على الرغم من شوق الناس العارم للمشروعات التنموية، إلا أن البعض منها غدا مرادفًا لكلمة “أباطيل”، بسبب ما تواتر عن إنجازها من صور التعثر والإبطاء وسوء التنفيذ، والتمديد المتوالي لمقاولين أقل ما يقال عنهم أنهَّم صناع فشل، فغلب على تلك المشروعات أنها مُجرَّد فقاعات إعلاميَّة لا تصدق في الواقع، مما ولَّد في النفوس الكثير من الإحباط والقيل والقال.

بطبيعة الحال التعميم في هذه المسألة خطأ، لكن المؤكّد أن هناك حقيقة لا مراء فيها، هي أن نسبة من المشروعات لا ينجز البتة، وأن البعض منها ينجز متأخرًا عن الوقت المحدّد له، وأن البعض الآخر ينجز مشوهًا ضاربًا عرض الحائط بالمواصفات المعتمدة والشروط الواجبة.

لا ريب أن هذا خيانة للوطن، وهدر للمال العام، وأن راء هذا كلّّه ضمائر ميتة لا تخشى الله ولا تراقبة، لهذا يجب أن تكون عين السلطة يقظة تراقب وتسائل وتحاسب، وتزيح عن مواقع القرار كل من يثبت فساده وسوء إدارته.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب