Thursday 20/03/2014 Issue 15148 الخميس 19 جمادى الأول 1435 العدد
20-03-2014

الصحافة .. رجل وكلب وبينهما عض

أثبت رجل روسي قبل أيام في حدث درامي أن مقولة «الخبر هو أن يعض رجل كلبا» مصداقيتها فقد نشرت خبره وسائل الإعلام الروسية ونقلته وكالة أنباء روسية ثم نقلته عنها وكالة يونايتد برس انترناشونال، وهذا أدى إلى نشره حول العالم،

بما فيها كثير من الصحف العربية. ويشير الخبر إلى أن هذا الرجل قد ركض في شوارع المدينة من دون ملابس (أصل الخبر بملابس داخلية) محطمّا لوحات الدعاية، قبل أن يقوم بعضّ كلب ضخم خاص للحماية، ولحُسن حظه كان الكلب مكمّما. وقالت صديقة الرجل، إنه أمضى طيلة عطلة نهاية الأسبوع جالساً أمام حاسوبه يراسل أصدقاءه وأقرباءه حول الوضع في أوكرانيا (واصل الخبر أنه أحرق سريره بشقته).. وكشفت تقارير طبية أن الرجل مصاب باضطراب نفسي شديد..

وهذا الخبر الروسي ليس الخبر الأول الذي طالعنها في وسائل الإعلام، فهناك حالات مشابهة كلها ظهرت في وسائل الإعلام، وفيما يلي بعض منها التي احتلت مساحة في وسائل الإعلام العالمية، فصحيفة في سان فرانسسكو الأمريكية نشرت عام 2000م أن رجلا عض كلبه، ولم يعض كلبا آخر وهذه سابقة أخرى. ونشرت وكالة رويترز عن حالة رجل عض كلب عام 2007م، كما نشرت وسائل الإعلام عن طفل عض كلبا في البرازيل عام 2008م.

ونشرت صحيفة بريطانية عام 2012م أن رجل رد بالعض على كلب عضه وقد نجا من داء الكلب فلم يحدث له شيء. وفي نفس العام نشرت صحيفة كندية عن حالة مشابهة لرجل كندي عض كلبا. وفي نفس العام كذلك نشرت صحيفة أسترالية أن رجلا عض كلبا وتم نقله إلى المستشفى مباشرة ونجا من فعلته المشينة. أما أطرف الأخبار فهي ما نشرته صحيفة أسترالية العام الماضي عن رجل عض كلبا في أنفه من أجل إنقاذ زوجته، أو انتقاما لزوجته التي عضها الكلب في أنفها.

وجرت العادة أن تبث وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة هذه القصص بتلذذ شديد وبتهكم في أحيان أخرى، كما سبق أن نشرت إحدى وكالات الأنباء It Is News عندما تبدأ خبرا عن أن شخصا عض كلبا للدلالة على أنه هذا هو المقصود به كخبر في سياق اللا مألوف.. وهذه تعتبرها الصحافة ووسائل الإعلام بالعموم من الأخبار النادرة التي تحدث في الحياة، وليست من الأخبار المألوفة لدى الناس.

ونحن في أقسام الصحافة والإعلام والاتصال في كل دول العالم نبدأ دروس الصحافة بهذه المقولة الكلاسيكية التي تتقادم في التاريخ إلى ربما القرن التاسع عشر حيث بعض الصحافيين والنقاد ذكروها وهم يعرفون الخبر، حيث أن تعريف الخبر هو من المهمات الصعبة على الإعلاميين وعلى الأكاديميين، وأحيانا نعرف بما هو فيه وأحيانا نعرف بما هو ليس فيه. فمقولة «كلب عض رجلا» هذا ليس فيه، أما «رجل عض كلبا» فهذا فيه.. ونورد عادة هذه المقولات عند الحديث عن القيم الخبرية التي تحدد سب اختيار الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية خبراً دون غيره، فمن أهم هذه القيم قيمة اللا مألوف.. وهي كسر روتين الأخبار الاعتيادية بأخبار استثنائية عكس الطبيعة الإنسانية..

وهذه الاستثنائية في الخبر هي التي تفرض وجودها على كثير من الأخبار التي نطالعها في وسائل الإعلام، حيث أصبحت هي معيارا مهما في الاختيار.. وليس بالضرورة أن يكون في القصة الخبرية رجل وكلب وبينهما عض.. فهناك الكثير من الأخبار التي نطالعها ليس بالضرورة أن تشتمل على هذه الموضوعات.. فمثلا زيارة الرئيس السابق أنور السادات لإسرائيل ومخاطبته للكنيست الإسرائيلي يعد من أهم الأخبار الاستثنائية وهي «رجل عض كلبا» بامتياز.. كما زيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر للصين في عهد الرئيس نيكسون في السبعينيات هي حدث استثنائي آخر بعد قطيعة سياسية وحرب باردة طويلة..

كما أن الانكشافات الفضائحية للشخصيات العام سواء رياضية أو فنية أو سياسية هي نماذج أخرى لمثل هذه الأخبار التي تسعى إليها وسائل الإعلام مثل مطاردة الصحافة وكمرات الفوتوغرافيين والتلفزيونيين للأميرة ديانا كانت نموذجا للبحث عن الفضائحية التي تعكس الاستثنائية في العلاقات، على أساس العلاقات الشرعية هي «كلب عض رجلا» ولكن «رجل عض كلبا» هي الاستثناءات في العلاقات الإنسانية..

وفي ظني أن كل محرر أو محررة عندما يستيقظ من نومه كل صباح سيجد نفسه يدعو أن يحظى بقصة خبرية يصنعا منها حدثا استثنائيا، فلربما نراه يبحث أولا عن الرجل ثم يبحث عن الكلب ثم يدعو أن يأتي هذا الرجل ليعض هذا الكلب..

alkarni@ksu.edu.sa

- رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال

مقالات أخرى للكاتب