Friday 21/03/2014 Issue 15149 الجمعة 20 جمادى الأول 1435 العدد
21-03-2014

الإحصاء والحقيقة

الأرقام الحسابية يمكنها أن تكون المرآة الحقيقية لتمثيل واقع ما، سواء كان ذلك الواقع اقتصادياً أو اجتماعياً أو حتى سياسياً، ويمكن التعويل عليها في تصحيح الواقع إن كان خاطئاً، أو تثبيته إن كان جيداً، أو تحسينه إن كان قابلاً للتحسن، لكنها قد تكون موهمة إن كان أصلها غير دقيق، أو به علة من العلل الإحصائية الكثيرة، أو إذا استخدم بطريقة خاطئة، أو متعمدة لبلوغ غاية.

ولقد لعب بعض الاقتصاديين، والاجتماعيين، والسياسيين بأوراق الإحصاء لتضليل متخذي القرار لنيْل مراد، أو إرضاء مسؤول، أو إشباع رغبة ذاتية، ويمكن أن يظهر ذلك أيضاً في البحوث العلمية، ودراسات الجدوى الاقتصادية، وحتى الإحصاءات الرسمية لعدد السكان، أو معدل النمو، أو مؤشرات مستوى المعيشة، وغيرها الكثير مما تحتاجه المجتمعات في حياتها اليومية.

قرأت في إحدى الصحف الخليجية آخر إحصائية نقلاً عن شركة «ريز» للتسويق والشبكات الاجتماعية، ذكرت فيها أن متوسط الساعات التي يقضيها السعودي على شبكة الإنترنت تصل إلى ثماني ساعات، لكنه لم يوضح هل ذلك المعدل لمن يملكون أجهزة كمبيوتر ويستخدمونها، أو أنه لعموم السعوديين بما فيهم الأطفال، والكبار غير القادرين على استخدام الأجهزة لأسباب مختلفة، فلو أن من أورد تلك الإحصائية حددها بمن لديهم جهاز لكان الأمر أوفق، لكن أن يكون ذلك المعدل شاملاً لجميع السعوديين، فهذا يعني أن أولئك القادرين على استخدام الإنترنت، يمضون أكثر من ثماني ساعات في اليوم.

وأردف ذلك الذي أورد الإحصائية قائلاً: «إن هذه الساعات منقسمة يومياً بين خمس ساعات يومياً على الحاسوب، وثلاث ساعات يومياً على الهاتف المتنقل، حيث يملك سبعة من كل عشرة أشخاص في المملكة هاتفاً ذكياً، قادراً من خلاله على الولوج إلى الشبكة العالمية، انتقل من الحديث عن السعوديين إلى الحديث عن أولئك الموجودين في المملكة بما فيهم غير السعوديين فقط، وهذه نقلة إحصائية لا تتسق مع طرح الموضوع، فربما يملك أكثر من سبعة من عشرة أشخاص هواتف ذكية أو يكون أقل من ذلك، طبقاً لما لدى الوافدين إلى المملكة والمقيمين فيها من هواتف.

وذكرت الإحصائية أن ثمانية من كل عشرة سعوديين يملكون هاتفاً ذكياً يستغلونه في البحث عن منتجات تهمهم، فيما يستخدمه تسعة من كل عشرة في البحث عن معلومات محلية، لكن الإحصائية لم تورد عدد الساعات التي يقضيها السعوديون في المتوسط في البحث عن المعلومات في كل فئة.

وأشار الكاتب إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة يزيد على أربعة عشر مليوناً ونصف المليون يستخدم ستة وستون منهم الشبكات الاجتماعية، ومتوسط نصيب كل سعودي من ذلك ساعتان وست وأربعون دقيقة في اليوم، وأن هناك أكثر من سبعة ملايين ونصف المليون مستخدم للفيسبوك، وأقل بقليل من خمسة ملايين سعودي يستخدم تويتر، كما أن تلك الإحصائيات كما أوردتها الصحيفة قد ذكرت أن السعوديين يشاهدون أقل بقليل من ثلاثمائة مليون مقطع يوتيوب يومياً، ومرات أخرى لم تفرّق الإحصائية بين السعوديين وبين مجموع السكان بالمملكة بما فيهم المقيمون، وربما يكون للمقيمين النصيب الأكبر في مشاهدة هذه المقاطع، وفي الغالب فإن السعوديين من أعمار الرابعة والعشرين، والخامسة والثلاثين، يفضلون اللغة العربية.

لا أعلم مدى صحة هذه الإحصائيات، لكنها إن صدقت، فإنها تعطي مؤشراً على غرام السعوديين بهذا التواصل الآلي العجيب، لكن لو أننا قمنا بتحليل ما ذكر، فإن من المستبعد أن يكون ذلك حقيقة واقعة، فلو فرضنا أن معدل نوم السعوديين ثماني ساعات، وفي الغالب أكثر من ذلك، وأن تهيئة نفسه للخلود إلى النوم يحتاج إلى ساعة، وأنه يعمل بمعدل ست ساعات، باعتبار أنه لديه يومان في الأسبوع لا يعمل فيهما، كما أن صلاته تأخذ ساعة في اليوم أيضاً، وانشغاله بالمأكل والمشرب يأخذ ساعة أخرى، فماذا بقي له من وقت للقيام بواجباته الاجتماعية من زيارة للأقارب والأصدقاء، وصلة الرحم الواجبة، إضافة إلى ممارسته الرياضة التي ربما تحتاج إلى ساعة في اليوم الواحد.

ولو افترضنا أن النسبة الأكبر المعنية في تلك الإحصائية هم من الطلبة وأساتذتهم وأنهم يقضون جل وقتهم في حضور الدروس والمذاكرة، فما عسى أن يبقى للتعامل مع هذه الجهاز العجيب.

كل شيء ممكن، لكن أن يصل معدل استخدم الإنترنت إلى هذا العدد الكبير من الساعات في اليوم الواحد يدعو إلى التساؤل، أو التشكيك في الإحصائية ولو صحت، فلو تخيلنا أن ذلك الوقت قد صرف للاستفادة من الإنترنت في البحث العلمي، والاستفادة مما هو متاح من مصادر ثقافية، وتعرف على حضارة الآخرين، لكننا الآن في مصاف العالم من الناحية العلمية، والمخترعات التي تخدم البشرية، ولأشار لنا العالم بالبنان في ظل هذا التسابق الحميم في ميدان العلم والتطور والمساهمة في رفع دخل الفرد، وسد حاجة البلاد، وإسعاد العباد.

إن كان حقاً ما ذكر، فإننا قد نسينا ذلك المثل الذي نردده، ونقول: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.

لا أحد يعلم عين الحقيقة، ولكن كل ما نخشاه أننا لو لم نستخدم ذلك الإنترنت العجيب، فربما نقضي وقتنا في أكل موائد الأحياء، ولذا فالوقت ضائع لا محالة، إلا إذا انزرعت ثقافة الإنتاج في الجيل القادم - بإذن الله -، وأصبح يحرص على ما هو مفيد.

مقالات أخرى للكاتب