Friday 04/04/2014 Issue 15163 الجمعة 04 جمادى الآخرة 1435 العدد
04-04-2014

نظرات شرعية في تعبير معالي الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ

تذكرت كلاماً للشيخ عبد الرحمن الدوسري -رحمه الله- في شريط قديم وهو يتحدث عن البعث وخطورته على بلاد الإسلام وركز -رحمه الله- في شرحه لكلمة عفلق، وكان صريحاً حينماً قال هو (...الكبير)، ولم يأت بكلمة مرادفة كما فعل معالي الشيخ رئيس الهيئة العامة للأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر حينما قال المؤخرة ولم يصرح، وأكاد أقسم بالله لم يكن هناك أصدق من عبارته التي تناولها الناس بتندر ووسموها بهاشتاق في التويتر وهم لم يسبروا أغوارها، فأكثروا فيها وأزبدوا وأرعدوا، والسبب باختصار أن معالي الشيخ فقأ في أعينهم الرمان -كما قالت العرب الأوائل- في زيارته لتقديم العزاء في عالم من علماء الأمة رحمه الله، ولقد صدق حينما نص على أن هذه الدولة المباركة سبب في حفظ الضرورات الخمس للناس، ولو صار لها مكروه -لا سمح الله- فإن أولئك الذين يتمنون ذلك المكروه لن يحافظوا على (مؤخراتهم)، وهي من الضرورات الخمس، ولن يستطيعوا بعد انفلات الأمن وانتشار الفوضى أن يحموا أنفسهم, وهم بحاجة إلى قول من هذا النوع وبخاصة أننا في مجتمع تتعاوره كثير من العصبيات والعرقيات والثارات، ولو غاب النظام لأكل الناس بعضهم بعضاً، وما بلاد الثورات العربية عنا ببعيد، وأكثر ما يؤلم العاقل أن هذه النتيجة تغيب عمن يتصدر للمشهد ويحاول أن يقوض المشروع، فهو بحاجة إلى صفعة من نوع ثقيل تليق بأهمية الموضوع وتنزل إلى درجة الابتذال والسفلة، وقد كان هذا المنهج الشرعي لعلاج كثير من العادات والأخطاء التي تؤدي إلى التأزيم وتفتيت المجتمع وتفريقه كما يفعل الحركيون في مخططاتهم، ومن ذلك أن المصطفى صلى الله عليه وسلم تكلم بألفاظ من هذا النوع وهو نبي، مثل: (أعضوه بهن أبيه)، فقد روى الإمام أحمد في مسنده - وحسنه المحققون - عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعَضَّهُ وَلَمْ يُكَنِّهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِلْقَوْمِ: إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ؛ إِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِلَّا أَنْ أَقُولَ هَذَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا: (إِذَا سَمِعْتُمْ مَنْ يَعْتَزِي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ وَلَا تَكْنُوا). وروى أيضاً في الحديث الحسن عَنْ أُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا اعْتَزَى، فَأَعَضَّهُ أُبَيٌّ بِهَنِ أَبِيهِ، فَقَالُوا: مَا كُنْتَ فَحَّاشًا؟ قَالَ: إِنَّا أُمِرْنَا بِذَلِكَ.

ويقر قول أبي بكر الصديق المؤمن البكاء والصادق المصدوق خليفة رسول الله: «امصص بظر اللات»،- فقد روى البخاري أنه قالها لعروة بن مسعود لما جاء مفاوضاً عن المشركين في «الحديبية» حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّى وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّى لأَرَى أَوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ»، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: «امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ»، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ».

مع أنه عليه السلام كان أشد حياء من العذراء في خدرها ونهى عن التفحش والبذاءة، وقد زكاه الله جل وعلا في قوله (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقالت سيدتنا عائشة: كان خلقه القرآن -صلى الله عليه وسلم. وروى الإمام البخاري ما يدل على حيائه وفي رواية للبخاري (309): «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: (خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا) ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَا، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ: (تَوَضَّئِي بِهَا) فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فالذي استحيا هو الذي قال أعضوه بهن ابيه ولا تكنوا، لأن المقام يقتضي ذلك المقال، قال ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري «(5-340):» و»البَظْر»: بفتح الموحدة، وسكون المعجمة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة.

و»اللات»: اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه، وحمَله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار.

وفيه: جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك، وقال ابن المنيِّر: في قول أبي بكر تخسيس للعدو، وتكذيبهم، وتعريض بإلزامهم من قولهم «إن اللات بنت الله!» تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، بأنها لو كانت بنتاً: لكان لها ما يكون للإناث».

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة (8 - 408. 409): «ولهذا قال من قال من العلماء إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة، والمصلحة، وليس من الفحش المنهي عنه، كما في حديث أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أبيه ولا تكنوا) رواه أحمد، فسمع أبي بن كعب رجلاً يقول: يا فلان، فقال: اعضض أير أبيك، فقيل له في ذلك فقال: بهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وقال ابن القيم -رحمه الله- في «زاد المعاد في هدي خير العباد» (3 / 305) وفي قول الصِّدِّيق لعروة: «امصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ»: دليلٌ على جواز التصريح باسم العَوْرة، إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال، كما أذن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُصرَّح لمن ادَّعى دعوى الجاهلية بِهَنِ أبيه، ويقال له: «اعضُضْ أيْرَ أبيك»، ولا يُكْنَى له، فلكل مقام مقال».

والعلماء الأجلاء ذكروا أنه يجوز التصريح بمثل هذا الكلام في مقام العقوبة والردع والزجر، وربما كان التعبير أشد مناسبة لتأنف منه نفوس العرب وبخاصة إذا عرفنا شدة تعلقهم بالحفاظ على أعراضهم، وإذا كان رسول الله والصديق قد عبرا صراحة في قضية قد تؤدي من طريق غير مباشر إلى تفكك المجتمع فالاستعارة والتشبيه بهما جائزة شرعاً في قضية تؤدي مباشرة إلى تفكك المجتمع وسقوط الولاية الشرعية التي تحمي ضرورات الناس ويضيع في غيابها الدين والدنيا.

وأخيراً إلى أولئك الذين يضحكون قال الشاعر:

أمور تضحك السفهاء منها..

ويبكي من عواقبها اللبيب

نسأل الله أن يحفظ لنا هذا الوطن المبارك وألا يمتحننا فيه، والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com

عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب