Monday 07/04/2014 Issue 15166 الأثنين 07 جمادى الآخرة 1435 العدد
07-04-2014

وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا..!

البيعة الشرعية، بضوابطها، ومحققاتها، حين ينتزعها المُخَوَّلُ شرعاً من الأمة، تصبح شطراً من المعتقد المُلْزِم. ومن نكثها، فإنما ينكث على نفسه. ويد الله: إنعاما، أو عقابا فوق أيدي المتعاهدين. ومن مات بدونها مات ميتة جاهلية:- {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

لقد هيئ لي - من قبل - تقصّي مفردة [البيعة الشرعية] في الفقه السياسي الإسلامي، المُنتْقَص من الكَتَبَةِ الجُوف، ومن شراذم المستغربين. وطالِبُ الحق يتبدى له اعتناءُ الفقهاء الإسلاميين بتحرير مسائل البيعة، وتأصيل أحكامها. بوصفها واحدة من أهم مفردات الفكر السياسي الإسلامي، وأهم محققات تداول السلطة السياسية بانسيابية.

وإذا كان وعْيُ [الرأي العام]بتلك المفردة دون المؤمل، فإن هذه مسؤولية العلماء، والخطباء، والمعلمين، الذين يملكون توصيل ثقافة الفكر السياسي الإسلامي بكل دقة وسلامة.

ولربما يمتد الجهل، أو التجاهل إلى من يَعُدُّون أنفسهم من العلماء، أو من أهل الرأي، والحل، والعقد. وتلك من المُصْميات، وما أكثر المتعالمين الذين يُفْسِدون، ولا يصلحون.

فالجهل، أو التجاهل لأخطر مفردة من مفردات الفقه السياسي الإسلامي يؤديان إلى زعزعة الأمن، والاستقرار، وتداعي الفتن، وتعدد فجوات الثغور التي ينفذ منها المتربصون، والماكرون، والمزيِّفون لوعي الأمة. وليس أدل على ذلك من تهافت بعض الشباب المُغَرَّر بهم على بؤر التوتر، طلباً للجهاد والشهادة.

هذا المدخل المعرفي، أثاره الحدث السَّعِيد في البلاد.

لقد تلاحقت الأوامر الملكية الملزمة، في إطار السلطة التشريعية، عندما فقدت الأمة [الملك فهد] رحمه الله. ثم [الأمير سلطان] رحمه الله. ثم [الأمير نايف] رحمه الله. ثم جاءت ضجة الفرح بالأمر الملكي القاطع لقول كل فضولي، بإنشاء منصب جديد، تحت مسمى [ولي ولي العهد] ووقع الاختيار على صاحب السمو الملكي الأمير [مقرن بن عبدالعزيز] لهذا المنصب الجديد، وذلك للحيلولة دون أي نزاع مُحتمل، قد يؤدي إلى فراغ دستوري قاتل. لا قَدَّر الله.

ومع أن أحداً لم يتوقع مثل ذلك الأمر الملكي، لغفلة الأمة بنعمة الأمن والاستقرار، إلا أنه بعث الثقة والاطمئنان، وقوبل بارتياح، وتفاؤل، وبورك من قبل الأمراء، والعلماء، وسائر المواطنين، بكافة شرائحهم. وما صاحب ذلك من انسيابية، يُعَدُّ من المبشرات، والمؤشرات الإيجابية على تماسك الجبهة الداخلية، والتفاف الأسرة الحاكمة حول كبرائها.

ولا سيما أن الزمن ضالعٌ في الفتنة، قابلٌ لكل التداعيات المخيفة، ولم يعد هناك في ظل الظروف العربية المعقدة مجال للتردد، أو الإبطاء.

وولي الأمر بحسه الوطني، واستشرافه المستقبلي، لم يتردد في اتخاذ مثل هذا القرار المصيري، الذي يَهُمُّ المواطن قبل الأسرة الحاكمة. وما أفسد الآراء إلا التردد :- و[إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة].

ولِأنَّ ولي الأمر يحمل الأمانة الملقاة على عاتقه بالصدق والأمانة والإخلاص، فقد تقبلت الأمة رؤيته الصائبة بقبول حسن.

الشيء الملفت للنظر مَزيْدُ التَّحفظات، والتأكيدات التي تضمنها الأمر الملكي، والتي جاءت مؤكدة على حتمية إنفاذ مقتضياته، والزاميتها. ذلك أن الأمة واعية لواقعها، والأسرة الحاكمة مدركة بتجاربها الثرية، والطويلة خطورة التنازع. وتجربتها السياسية الممتدة لأكثر من ثلاثة قرون كفيلة بتجاوز المحن والإحن. ثم إن أمن الأمة، وسلامة العقيدة، وتطهير المقدسات أمانةٌ في عنق هذه الأسرة المباركة.

والكتبة الذين هَبُّوا للمباركة والثناء، بوصفهما شطرا من مشاعرهم الصادقة، من واجبهم أن يذكروا الكافة بالدعاءِ الصادق، والمؤازرة الفاعلة، والنصيحة الخالصة، والمشورة المسددة، وتمكين المُشَرَّف والمكلف - في آن - بهذه المسؤولية من ممارسة مهماته الجسام على الوجه الذي يُرْضِي الله، ويُسْعِد الأمة. وبهذا تكتمل الرؤية الصائبة، ويتحقق الموقف الإيجابي.

لقد جاء الأمر الملكي الموفق من صاحب المبادرات، والمفاجآت السارة، لتزيد الاطمئنان، وتربط على القلوب، وتثبت الأفئدة، والأقدام، وترد كيد الأعداء، والمتربصين الذين يُخَاتِلون مثمنات البلاد، ويودون تَرَدِّي أرض المقدسات في دَوَّامة الفتن.

ورهان الموتورين:-

إما على اختلاف الأسرة الحاكمة فيما بين أفرادها، كما حصل عند سقوط الدور الثاني من أدوار الحكم السعودي.

وإما على نقض الشعب للبيعة، وتمرده على السلطة الشرعية. كما حصل في بعض البلاد العربية، التي امتحنت بالانقلابات العسكرية، وابتليت بالثورات الشعبية.

ولأن معدن الشعب أصيلٌ، فإن الحكم السعودي لم يؤت من قِبَله، على مدى ثلاثة قرون، منذ عهد المؤسس الأول [محمد بن سعود] إلى عهد المؤسس الأخير [عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود] رحمهما الله.

فالدور الأول سقط نتيجة الحملة الجائرة، التي قادها [إبراهيم باشا]. والدور الثاني سقط نتيجة اختلافات الأسرة الحاكمة فيما بين أفرادها، ودخولهم في حروب بينية، أدت إلى سقوط الدولة وقيام دولة [آل رشيد] المؤَمَّرِيْن على [حائل] من قبل آل سعود - عفا الله عن الجميع ورحمهم - وتلك أمم قد خلت.

ومن ثم لم يُؤْثَر عن الشعب السعودي نَقْضٌ للبيعة، ولا خروجٌ على الحاكم. والأسرة الحاكمة بفضل تجاربها قادرة على أن تُصَحِّح أوضاعها بنفسها، وأن تقدم للشعب من أفرادها المؤهلين للقيادة من تراه كفيلا باستقرار البلاد، وأمنها، ورضى الأمة، وقبولها.

لقد سَعِدْتُ حين أنشأ الملك عبدالله [هيئة البيعة] وتناولت ذلك في حينه، وباركت هذه الخطوة المسددة، وأيقنت أن أمر البلاد في رشاد.

فمثل هذه الهيئة حين تأخذ مسؤوليتها بحقها، تُسْهِم في استقرار الأوضاع، وقطع دابر الفراغات الدستورية، وكبح جماح الرغبات الفردية، والأطماع العاجلة. وهذا ما نراه، ونَسْمعه من بوادر تبعث على الارتياح. وأعضاء الهيئة لهم حقهم في الموافقة، أو التحفظ. وتصويت الأغلبية يحسم الخلاف، وينهي الإشكال.

وحرية الرأي، وحقُ الاختيار الممنوحان لكل عضو، يؤكدان أهلية الهيئة، وقدرتها على معالجة ما يطرأ على السلطة التشريعية.

وأنا اليوم أكثر سعادة، حين جاء الأمر الملكي مُجَمْجِماً عما في نفوس الأمة، مُحققا لتطلعاتها، مُسْتَبعداً لاحتمالات الفراغ الدستوري.

والاختلاف المشروع، المحكوم بضوابطه الشرعية، يُعَدُّ من مؤشرات الجِدَّ، والجَدْوى. وقد أشار الأمر الملكي إلى أن موافقة التعيين جاءت بالأغلبية، ومن ثم لا يَسَعُ الأقلية إلا الامتثال.

والأمر الملكي أشار إلى ذلك، وهذه الإشارة من محققات المصداقية، والثقة، وفاعلية الهيئة.

والمملكة بِفَضْل الله، ثم بفضل المقدسات، وسلفية الأمة، والتزامها بمحققات البيعة الشرعية، والتزام ولي الأمر بمقتضيات البيعة محفوظة بحفظ الله.

وواجب الأمة بمختلف أطيافها، أن تَرْعى هذه النعم حق رعايتها، وألا تركن إلى أي رهانات خاسرة.

وإذ لا نستبعد أي احتمال، فإننا نتوسل بإرث سياسي عريق، يفيض بالتجارب، ولديه الخبرة الكافية لتخطي المنعطفات الخطيرة.

وفوق هذا وذاك فإن هناك عناية ربانية، نحيل إليها الكثير من المواقف التي لا تتأتى معها التنبؤات.

نسأل الله أن يجمع الكلمة، ويوحد الهدف، ويُسَوِّى الصفوف، لِتُجاوِزَ أرضُ المقدسات ما تمر به البلاد العربية من محن مهلكة .

في الختام أبارك لصاحب السمو الملكي الأمير [مقرن بن عبدالعزيز] هذه الثقة الملكية الكريمة، وأهنئه بذلك القبول الشعبي. وأسأل الله له العون، والتوفيق، والسداد. كما أسأله أن يكون مباركاً على البلاد والعباد، وأن يجمع الله به الكلمة، ويدرأ به عن العقيدة والمقدسات، وسائر المثمنات، والقيم عبث العابثين، وكيد الكائدين.

Dr.howimalhassan@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب