Tuesday 08/04/2014 Issue 15167 الثلاثاء 08 جمادى الآخرة 1435 العدد
08-04-2014

يا دكتور عبد الرحمن العشماوي: لماذا غفرت ذلك في الشارقة ولم تغفره في الجنادرية؟

الجنادرية والعشماوي قدرهما وقدري أن أستحضرهما في هذا المقال، فالجنادرية مفخرة الوطن، ويكفيها فخرا أنها فكرة سيدي خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأكمل مشواره في رعايتها الأمير متعب بن عبد الله حفظه الله حتى استوت على سوقها، وأسهمت بإعطاء الوجه المشرق لبلادنا السعودية في الفكر والإبداع والأدب،

فالمهرجان الوطني فيها أصبح عالميا ترقبه كل عيون المثقفين والمفكرين في العالم كل سنة، وليس صعبا على وزارة الحرس الوطني أن تتولى الريادة في التكتيك العسكري والتعليم العام والجامعي والصحة والثقافة والإعلام والموروث. والدكتور عبد الرحمن العشماوي آلمني ما مر في ذاكرتي من موقفين متناقضين ( من باب تشخيص واقعنا الدعوي السعودي ومقارنته بغيره لا غير)، وهما:

1 - خبر منشور في 31-3- 2014م، وفيه:» عناقيد الضياء كتب كلماته الشاعر السعودي عبدالرحمن العشماوي ولحنه الفنان البحريني خالد الشيخ، ويشارك فيه أكثر من 200 ممثل من مختلف أنحاء العالم، يتقدمهم أربعة نجوم عرب، حسين الجسمي، ولطفي بوشناق وعلي الحجار ومحمد عساف، ويروي سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ ولادته حتى وفاته. وتتولى الأوركسترا الألمانية العالمية مهمة التسجيلات الموسيقية لـ»عناقيد الضياء»، بقيادة الموسيقار الألماني الشهير كريستيان شتينهاوزر، رئيس فرقة برلين للأوركسترا، الذي يعتبر واحداً من أشهر المواهب الموسيقية في أوروبا».

2 - خبر منشور في 15-10-1423 وفيه: «اتصلت على الدكتور عبدالرحمن العشماوي ظهر يوم الخميس الموافق 15-10-1423 وسألته عن الأوبريت وهل سيكون فيه غناء وهل عرض الأمر على المنشدين فرفضوا وتساؤلات عدة فأجاب تساؤلاتي وشفى غليلي وأبرد على قلبي، يقول: كما تعلم أن موضوع الجنادرية هذه هو الإسلام، ولما تم تكليفي من سمو الأمير عبدالله لكتابة ملحمة إنشادية عن الإسلام والفتوحات والنصر، اشترطت عليهم أن يكون بدون موسيقى وأن يكون بمشاركة منشدين وليسوا مغنيين فوافقوا على ذلك، واتصل ابني أسامة على بعض المنشدين لأنه كما تعلم أن موضوع الفتوحات يحتاج إلى أصوات جميلة ومع ذلك قوية وليست رقيقة فاستبعدنا بعض المنشدين التي أصواتهم رقيقة لأنها لا تناسب موضوع الملحمة، وبعد اتصال ابني أسامة عليهم بعضهم تردد لأنها في الجنادرية وبعضهم تراخى وتباطأ ولم يجهزوا أنفسهم وصار هناك تأخير من المنشدين وكما تعلم أن وقت الجنادرية محدد ولا يمكن أن يؤخروه عن وقته لعدم جاهزية الأصوات، فاختاروا الأصوات المعروفة لتسد المكان فقط لا غير، والواقع أنه حفل إنشادي لكن المتعارف عليه أن يسمى أوبريت، وليس أوبريت بمضمونه وكيفيته بل اسمه فقط، أما الموسيقى فاشترطت عليهم فوافقوا ولكن لتعلم أن الملحمة تتألف من خمسة أناشيد أو مقاطع، كل مقطع يتكلم عن موضوع محدد، ففترة ما بين الأناشيد وضعوا فيها مؤثرات صوتية، وسألت الإخوة المنشدين فقالوا إنه هناك أكثر من 300,000 مؤثر صوتي في العالم وستكون هذه المؤثرات لسد الفراغ فقط. وهكذا وعدوني بذلك. وأنا- والكلام للدكتور - أحمل جزءا من المسؤلية للإخوة المنشدين لأن بعضهم تردد لأنها الجنادرية والبعض الآخر تراخى، فأنا أحملهم المسؤولية في ذلك، ويقول: كما تعلم أن الموضوع هذه هو الإسلام والشخصيات المستضافة فيها تغير نسأل الله أن يجزينا كل خير على ما نعمله وأن يوفقنا للعمل الصالح الموافق للكتاب والسنة، انتهت المكالمة» ....

وتساءلت وأنا اقارن بين الموقفين، موقف اليوم وموقف الأمس، موقف الأمس في الرياض وموقف اليوم في الشارقة، وتساءلت مرة أخرى ما الفرق بين الإسلام في الرياض والإسلام في الشارقة، وهل هما مختلفان، أم القناعات اختلفت، ولماذا تغفر الموسيقى في الشارقة ويقبل من رفض مشاركة الفنانين السعوديين مشاركة فنانين من أقطار شتى وفي ظل أوركسترا ألمانية غربية، ولا يغفر كل ذلك في الرياض، ما الذي تغير وما الذي تبدل ولا فرق بينهما، والإسلام في الشارقة هو الإسلام في الرياض، والله جل جلاله في الشارقة هو الله جل جلاله في الرياض، ولماذا كل شيء في الرياض يتم تأزيمه وكل شيء في الشارقة والقاهرة وأنقرة وغيرها يتم قبوله بلا تأزيم ويبحث له عن مسوغات، لماذا الولاء لهذه المدن والحواضر في العالم الإسلامي وشرعنتها والمنكرات ومظاهر الشرك والعلمنة واللبرلة تملأ ميادينها وتكسوها حتى أخمص قدميها والنكران للرياض وهي المدينة شبه الخالية من كل ما سبق، وكأنها من مدن القرن الأول الهجري صلاحا وعافية، لماذا هذا البعض يشمون رائحة الخلافة كما يزعمون في أنظمة ومدن وبلاد لا يمكن أن تبلغ معشار إسلامنا وعقيدتنا وتوحيدنا ومواقفنا وشرعية نظامنا وطريقتنا في الحكم في وطننا العزيز، ما سر التعلق بالآخر وكفران الذات وجلد هذه الذات وهي صاحبة الفضل والقبول لنا بالرغم من أخطائنا ومحاولة المزايدة عليها بلا دليل شرعي ولا موقف نبيل، لماذا كل هذا التشويه ولماذا هم عندنا وبيننا في جلباب وإن خرجوا لبلاد أخرى يلبسون جلابيب متناقضة تماما، ينكرون قيادة المرأة في الرياض ونساؤهم يتسابقن إلى الحصول على رخص القيادة في الدول الأخرى وأصبح كل تطوير وتمدين للناس فوبيا للتيار الحركي واتهام بالليبرالية والتغريب ويتسابقون لتلك البلاد المملوءة بليبرالية وتغريب لم يوجد مثله في الغرب بلاده الأصلية، لماذا ذنبنا غير مغفور ولو بالتفسير الخطأ وذنوب غيرنا مغفورة وهي الصراح بل مشرعنة، لماذا يتعاطفون مع الخيانة ويفلسفونها ويسوغون قول الأحمري حينما حصل على الجنسية القطرية: «في النهاية هي أوراق سفر، لا تلغي هويتك، ولا من أنت. ونحن في منطقة الخليج مجتمع واحد في ودنا وعلاقتنا ونصحنا، وتأثيرنا يفترض ألا يكون محدوداً في هذه الحدود»، وأضاف الأحمري: «يجب ألا نفترض في الشخص إذا أصبح في مجتمع آخر أن يعادي المجتمع الأول، هذا أمر غير موجود، لا في الذهن ولا في الممارسة». ونقوله: لا يا أخ، الذي يفرط في هذا لا يعرف ماذا يعني أن يكون له وطن، ولا يفرق بين المواطنة والارتزاق لمن يدفع أكثر، لماذا مفهوم المواطنة والهوية غير واضح في ذهن الأحمري وغيره من الحركيين، وكل دول العالم تقدس وتحترم أوراقها الثبوتية التي هي جزء من سيادتها، لماذا كل مقدس عند الشعوب المحترمة رخيص عند بعضنا، وما سبب هذه الثقافة وكيف وصلنا لها ومن المسؤول عنها، ولماذا ولماذا، ما القصة إذن ؟

في خضم هذه الأسئلة الصريحة أعتقد أن خير ما يعبر عن شعور الوطن صدقا هو عبارة الرئيس بوش بعد الهجوم الإرهابي على وطنه (من لم يكن معي فهو ضدي) وبخاصة في مثل تلك الظروف إذ الوطن لا يقبل أنصاف الحلول ولا الخذلان في الأزمات، ولا المواقف المتلونة ولا العبارات الموهمة ولا الولاءات المتأرجحة بعيدا عن الغلط الذي ملأ واقعنا نتيجة من نتائج الفوضى التي كنا نعيشها وسمحنا لهذا التأرجح تحت مبادئ الاحتواء والسكوت والمصلحة الكاذبة التي لبسوها علينا ويعيشها معنا الفكر الإسلامي منذ ظهور جماعات سياسية وتنظيمات سرية بمسمى الإسلام لتدلس على العوام والدهماء في مشروعها السياسي، وأذكر أن مسلسلا بهذا العنوان (فيه حاجة غلط) وتم إنتاجه عام 1983م، وأعتذر لطاقمه لأستعيره وأسقطه على واقعنا الدعوي المرير والسبب فيه هذه الحيرة والتناقض الذي يكتنف مسيرتنا الوطنية والذي شوش على الدولة في رعايتها لمصالح المسلمين وشؤون الإسلام وأفقد الشباب الثقة بهذا المجتمع حكومة وشعبا ومؤسسات بكل أسف، مما أدى إلى أن ينعكس هذا على واقع الشباب اليوم وهم يراقبون التراشق بالمصطلحات والتعرية باستصحاب الفتاوى المتناقضة التي لا تعرف لها رأسا ولا ذيلا، بل إنهم يراقبون المشهد بطريقة جعلتهم يفقدون السيطرة على مشاعرهم ومنهجهم ولذلك نقول كان الله في عون الشباب ما داموا أنهم أمام مرجعيات متناقضة تماما بوقوفها على طرفي النقيض موقف المتفرج والوجل والمرتعش، ولا يمكن لنا علاج ما ينتظرنا في مستقبل الأيام إن لم نحدد مواطن الغلط بدقة ليتم استئصال هذه الجدلية المتناقضة ذات الخلايا السرطانية التي تتكاثر بطريقة عشوائية ضبطا للمسار وتحديدا للمنهج وهداية لعقول شبابنا وطلابنا، فالحرب لم تقتصر على المصطلحات بل تجاوزت إلى التضييق في الواقع وأصبحت الضبابية مؤشرا على التلون والزئبقية على غير عادة السلف الصالح الذين ثبتوا في أيام المحن والملاحم وبينوا للناس وتحملوا نتائج بيانهم.... والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com

عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب